عطف على الجمل الفعلية نظائر هذه وهي جمل ( فزعوا وأخذوا وقالوا ) أي وحال زجهم في النار بينهم وبين ما يأملونه من النجاة بقولهم ( آمنا به ) . وما يشتهونه هو النجاة من العذاب أو عودتهم إلى الدنيا فقد حكي عنهم في آيات أخرى أنهم تمنوه ( فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين ) ( ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل ) .
والتشبيه في قوله ( كما فعل بأشياعهم من قبل ) تشبيه للحيلولة بحيلولة أخرى وهي الحيلولة بين بعض الأمم وبين الإمهال حين حل بهم عذاب الدنيا مثل فرعون وقومه إذ قال ( آمنت أنه لا آله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين ) وكذلك قوم نوح حين رأوا الطوفان وما من أمة حل بها عذاب إلا وتمنت الإيمان حينئذ فلم ينفعهم إلا قوم يونس .
A E والأشياع : المشابهون في النحلة وإن كانوا سالفين . وأصل المشايعة المتابعة في العمل والحلف ونحوه ثم أطلقت هنا على مطلق المماثلة على سبيل المجاز المرسل بقرينة قوله ( من قبل ) أي كما فعل بأمثالهم في الدنيا من قبل وأما يوم الحشر فإنما يحال بينهم وبين ما يشتهون وكذلك أشياعهم في وقت واحد .
وفائدة هذا التشبيه تذكير الأحياء منهم وهم مشركوا أهل مكة بما حل بالأمم من قبلهم ليوقنوا أن سنة الله واحدة وانهم لا تنفعهم أصنامهم التي زعموها شفعاء عند الله .
وجملة ( إنهم كانوا في شك مريب ) مسوقة لتعليل الجمل التي قبلها . وفعل بهم جميع ما سمعت لأنهم كانوا في حياتهم في شك من ذلك اليوم وما وصف لهم من أهواله .
وإنما جعلت حالتهم شكا لأنهم كانوا في بعض الأمور شاكين وفي بعضها موقنين ألا ترى قوله تعالى ( قلتم ما ندري ما الساعة إن تظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين ) . وإذا كان الشك مفضيا إلى تلك العقوبة فاليقين أولى بذلك ومآل الشك واليقين بالانتفاء واحد إذ ترتب عليهما عدم الإيمان به وعدم النظر في دليله .
ويجوز أن تكون جملة ( إنهم كانوا في شك مريب ) مستأنفة استئنافا بيانيا ناشئة عن سؤال يثيره قوله ( وحيل بينهم وبين ما يشتهون ) كأن سائلا سأل هل كانوا طامعين في حصول ما تمنوه ؟ فأجيب بأنهم كانوا يتمنون ذلك ويشكون في استجابته فلما حيل بينهم وبينه غشيهم اليأس واليأس بعد الشك أوقع في الحزن من اليأس المتأصل .
والمريب : الموقع في الريب . والريب : الشك فوصف الشك به وصف له بما هو مشتق من مادته لإفادة المبالغة كقولهم : شعر شاعر وليل أليل أو ليل داج . ومحاولة غير هذا تعسف .
بسم الله الرحمن الرحيم .
سورة فاطر .
سميت ( سورة فاطر ) في كثير من المصاحف في المشرق والمغرب وفي كثير من التفاسير . وسميت في صحيح البخاري وفي سنن الترمذي وفي كثير من المصاحف والتفاسير ( سورة الملائكة ) لا غير . وقد ذكر لها كلا الاسمين صاحب الإتقان .
فوجه تسميتها ( سورة فاطر ) أن هذا الوصف وقع في طالعة السورة ولم يقع في أول سورة أخرى . ووجه تسميته ( سورة الملائكة ) أنه ذكر في أولها صفة الملائكة ولم يقع في سورة أخرى .
وهي مكية بالاتفاق وحكى الآلوسي عن الطبرسي أن الحسن استثنى آيتين : آية ( أن الذين يتلون كتاب الله ) الآية وآية ( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ) الآية ولم أر هذا لغيره .
وهذه السورة هي الثالثة والأربعون في ترتيب نزول سورة القرآن . نزلت بعد سورة الفرقان وقبل سورة مريم .
وقد عدت آيها في عد أهل المدينة والشام ستا وأربعين وفي عد أهل مكة والكوفة خمسا وأربعين .
أغراض هذه السورة .
اشتملت هذه السورة على إثبات تفرد الله تعالى بالإلهية فافتتحت بما يدل على أنه مستحق الحمد على ما أبدع من الكائنات الدال إبداعها على تفرده تعلى بالإلهية .
وعلى إثبات صدق الرسول A فيما جاء به وأنه جاء به الرسل من قبله . وإثبات البعث والدار الآخرة .
وتذكير الناس بإنعام الله عليهم بنعمة الإيجاد ونعمة الإمداد وما يعبد المشركون من دونه لا يغنون عنهم شيئا وقد عبدهم الذين من قبلهم فلم يغنوا عنهم .
وتثبيت النبي A على ما يلاقيه من قومه .
وكشف نواياهم في الإعراض عن إتباع الإسلام لأنهم احتفظوا بعزتهم .
وإنذارهم أن يحل بهم ما حل بالأمم المكذبة قبلهم .
والثناء على الذين تلقوا الإسلام بالتصديق وبضد حال المكذبين