والمعشار : العشر وهو الجزء العاشر مثل المرباع الذي كان يجعل لقائد الكتيبة من غنائم الجيش في الجاهلية .
وذكر احتمالان آخران في معاد الضميرين من قوله ( وما بلغوا معشار ما آتيناهم ) لا يستقيم معها سياق الآية .
وجملة ( وما بلغوا معشار ما آتيناهم ) معترضة والاعتراض بها تمهيد للتهديد وتقريب له بأن عقاب هؤلاء أيسر من عقاب الذين من قبلهم في متعارف الناس مثل قوله تعالى ( وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه ) .
والفاء في قوله ( فكذبوا رسلي ) للتفريع على قوله ( وكذب الذين من قبلهم ) باعتبار أن المفرع ( فكيف كان نكير ) وبذلك كانت جملة ( فكذبوا رسلي ) تأكيد الجملة ( وكذب الذين من قبلهم ) ونظيره قوله تعالى ( كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا ) في سورة القمر ولكون الفاء الثانية في قوله ( فكيف كان نكير ) تأكيدا لفظيا للفاء في قوله فكذبوا رسلي ) . وقوله ( فكيف كان نكير ) مفرع على قوله ( وكذب الذين من قبلهم ) .
وكيف استفهام عن الحالة وهو مستعمل في التقرير والتفريع كقول الحجاج للعديل ابن الفرخ ( فكيف رأيت الله أمكن منك ) أي أمكنني منك في قصة هروبه .
A E فجملتا ( فكذبوا رسولي فكيف كان نكير ) في قوة جملة واحدة مفرعة على جملة ( وكذب الذين من قبلهم ) . والتقدير : وكذب الذين من قبلهم فكيف كان نكيري على تكذيبهم الرسل ولكن لما كانت جملة ( وكذب الذين من قبلهم ) مقصودا منها تسلية الرسول ابتداء جعلت مقصورة على ذلك اهتماما بذلك الغرض وانتصارا من الله لرسوله A ثم خصت عبرة تسبب التكذيب بالعقاب بجملة تخصها تهويلا للتكذيب وهو من مقامات الإطناب فصادف أن كان مضمون الجملتين متحدا اتحاد السبب لمسببين أو العلة لمعلولين كعلة السرقة للقطع والغرم . وبني النظم على هذا الأسلوب الشيق تجنبا لثقل إعادة الجملة إعادة ساذجة ففرعت الثانية على الأولى واظهر فيها مفعول ( كذب ) وبني عليه الاستفهام التقريري التفظيعي أو فرع للتكذيب الخاص على التكذيب الذي هو سجيتهم العامة على الوجه الثاني في معنى : وكذب الذين من قبلهم كما تقدم ونظيره قوله تعالى ( كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وأزدجر ) .
والتنكير : اسم للإنكار وهو عد الشيء منكرا أي مكروها واستعمل هنا كناية عن الغضب وتسليط العقاب على الآتي بذلك المنكر فهي كناية رمزية .
والمعنى : فكيف كان عقابي لهم على ما جاءوا به مما أنكره أي كان عقابا عظيما على وفق إنكارنا تكذيبهم .
و ( نكير ) بكسر الراء وهو مضاف إلى ياء المتكلم وحذفت الياء للتخفيف مع التنبيه عليها ببقاء الكسرة على آخر الكلمة وليناسب الفاصلة وأختها . وكتب في المصحف بدون ياء وبوقف عليه السكون .
( قل إنما أعظكم بوحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد [ 46 ] ) افتتح بالأمر بالقول هنا وفي الجمل الأربع بعده للاهتمام بما احتوت عليه . وهذا استئناف للانتقال من حكاية أحوال كفر المشركين وما تخلل ذلك من النقض والاستدلال والتسلية والتهديد ووصف صدودهم ومكابرتهم إلى دعوتهم للإنصاف في النظر والتأمل في الحقائق ليتضح لهم خطؤهم فيما ارتكبوه من العسف في تلقي دعوة الإسلام وما ألصقوا به وبالداعي إليه وأرشدوا إلى كيفية النظر في شأنهم والاختلاء بأنفسهم لمحاسبتها على سلوكها استقصاء لهم في الحجة وإعذارا لهم في المجادلة ( ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيي عن بينة ) .
ولذلك اجتلبت صيغة الحصر ب ( إنما ) أي ما أعظكم إلا بواحدة طيا لبساط المناظرة وإرسال على الخلاصة من المجادلات الماضية وتقريبا لشقة الخلاف بيننا وبينكم .
وهو قصر إضافي أي لا بغيرها من المواعظ المفصلة أي أن استكثرتم الحجج وضجرتم من الردود والمطاعن فأنا أختصر المجادلة في كلمة واحدة فقط كانوا يتذمرون من القرآن لأبي طالب : أما ينتهي أبن أخيك من شتم آلهتنا وآبائنا . وهذا كما يقول المناظر والجدلي بعد بسط الأدلة فيقول : والخلاصة أو الفذلكة كذا