وتقديم المجرور للاهتمام والرعاية على الفاصلة .
( وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قالوا ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم وقالوا ما هذا إلا إفك مفترى وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إلا سحر مبين [ 43 ] ) انتقال من حكاية كفرهم وغرورهم وازدهائهم بأنفسهم وتكذيبهم بأصول الديانة إلى حكاية تكذيبهم الرسول A واتبع ذلك بحكاية تكذيبهم الكتاب والدين الذي جاء به فكان كالفذلكة لمل تقدم من كفرهم .
وجملة ( إذ تتلى ) معطوفة على جملة ( يوم نحشرهم جميعا ) عطف القصة على القصة . وضمير ( عليهم ) عائد إلى ( الذين كفروا ) وهم المشركون من أهل مكة .
وإيراد حكاية تكذيبهم الرسول A مقيدة بالزمن الذي تتلى عليه فيه آيات الله البينات تعجيب من وقاحتهم حيث كذبوه في أجدر الأوقات بأن يصدقوه عندها لأن وقت ظهور حجة صدقة لكل عاقر متبصر .
وللاهتمام بهذا الظرف والتعجيب من متعلقة قدم الظرف على عامله والتشويق إلى الخبر الآتي بعده وأنه من قبل البهتان والكفر البواح .
والمراد بالآيات البينات آيات القرآن ووصفها بالبيان لأجلل ظهور أنها من عند الله لإعجازها إياهم من معارضتها ولما اشتملت عليه معانيها من الدلائل الواضحة على صدق ما تدعوا إليه فهي محفوظة بالبيان بألفاظها ومعانيها .
A E وحذف فاعل التلاوة لظهور أنه الرسول A إذ هو تالي آيات الله فالإشارة في قولهم ( ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم ) إلى الرسول A واستحضروه بطريقة الإشارة دون الاسم إفادة لحضور مجلس التلاوة وذلك من تمام وقاحتهم فقد كان النبي A يقرأ عليهم القرآن في مجالسهم كما ورد في حديث قراءته على عتبة بن ربيعة سورة فصلت وقراءته على عبد الله بن أبي بن سلول للقرآن بالمدينة في القصة التي تشاجر فيها المسلمون والمشركون .
وابتدأوا بالطعن في التالي لأن الغرض الذي يرمن إليه وأثبتوا له إرادة صدهم عن دين آبائهم قصد أن يثير بعضهم حمية بعض لأنهم يجعلون آباءهم أهل الرأي فيما ارتأوا والتسديد فيما فعلوا فلا يرون إلا حقا ولا يفعلون إلا صوابا وحكمة فلا جرم أن يكون مريد الصد عنها محاولا الباطل وكاذبا في قوله لأن الحق مطابق الواقع فإبطال ما هو حق في زعمهم قول غير مطابق للواقع فهو الكذب .
وفعل ( كان ) في قولهم ( عما كان يعبد آباءكم ) إشارة إلى أنهم عنوا أن تلك عبادة قديمة ثابتة . وفي ذلك إلهاب لقلوب قومهم وإيعاز لصدورهم ليتألبو على الرسول A ويزادوا تمسكا بدينهم وقد قصروا للرسو عليه السلام على صفة إرادة صدهم قصرا إضافيا أي إلا رجل صادق فما هو برسول .
وأتبعوا وصف التالي بوصف المتلو بأنه كذب مفترى وإعادة فعل القول إعادة ثابتة للاهتمام بكل قول من القولين الغريبين تشنيعا لهما في نفس السامعين فجملة ( وقالوا ما هذا إلا إفك ) عطف على جملة ( قالوا ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم ) فالفعلان مشتركان بالظرف .
والإشارة الثانية إلى القرآن الذي تضمنه ( تتلى ) لتعينه لذلك .
والإفك : الكذب ووصفه بالمفترى إما أن بتوجه إلى نسبته إلى الله تعالى أو أريد أنه في ذاته إفك وزادوا فجعلوه مخترعا من النبي A ليس مسبوقا به .
فكونه إفكا يرجع إلى جميع ما في القرآن وكونه مفترى يرجعونه إلى ما فيه من قصص الأولين . وهذا القول من بهتانهم لأنهم كثيرا ما يقولون : أساطير الأولين فلي ( مفترى ) تأكيد ل ( إفك ) .
ثم حكي تكذيبهم الذي يعم جميع ما جاء به الرسول A من وحي يتلى أو دعوة إلى التوحيد وغيره أو استدلال عليه أو معجزة بقولهم ( إن هذا إلا سحر مبين ) فهذا المقال الثالث يشمل ما نقدم وغيره فحكاية مقالهم هذا تقوم مقام التذييل . وأظهر للقائلين دون إضمار ما تقدم ما يصح أن يكون معادا للضمير فقيل ( وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم ) ولم يقل : وقالوا للحق لما جاءهم للدلالة على أن الكفر هو باعث قولهم هذا