A E فيتجه عليهم أن يقال لهم : لماذا أطعتموهم حتى يغروكم وهذا شأن الدهماء أن يسودوا عليهم من يعجبون بأضغاث أحلامه ويغرون بمسعول كلامه ويسيرون على وقع أقدامه حتى إذا اجتنبوا ثمار أكمامه وذاقوا مرارة طعمه وحرارة أوامه عادوا عليه باللائمة وهم الأحقاء بملامه .
وحرف التوكيد لمجرد الاهتمام لا لرد إنكار وتقديم قولهم ( إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا ) اهتمام بما فيه من تعليل لمضمون قولهم ( فأضلونا السبيلا ) لأن كبراءهم ما تأتي لهم إضلالهم إلا بتسبب طاعتهم العمياء إياهم واشتغالهم بطاعتهم عن النظر والاستدلال فيما يدعونهم إليه من فساد ووخامة مغبة وبتسبب وضعهم أقوال سادتهم وكبراءهم موضع الترجيح على ما يدعوهم إليه الرسول A .
وانتصب ( السبيلا ) على نزع الخافض لأن أضل لا يتعدى بالهمزة إلا إلى مفعول واحد قال تعالى ( لقد أضلني عن الذكر ) . وظاهر الكشاف أنه يتعدى إلى مفعولين فيكون ( ضل ) المجرد يتعدى إلى مفعول واحد . تقول : ضللت الطريق و ( أضل ) بالهمزة إلى مفعولين . وقاله ابن عطية .
والقول في ألف ( السبيلا ) كالقول في ألف ( الرسولا ) .
وإعادة النداء في قولهم ( ربنا آتهم ضعفين من العذاب ) تأكيد للضراعة والابتهال وتمهيدا لقبول سؤلهم حتى إذا قبل سؤلهم طمعوا في التخلص من العذاب الذي ألقوه على كاهل كبرائهم .
والضعف بكسر الضاد : العدد المماثل للمعدود فالأربعة ضعف الاثنين . ولما كان العذاب معنى من المعاني لا ذاتا كان معنى تكرير العدد فيه مجازا في القوة والشدة .
وتثنية ( ضعفين ) مستعملة في مطلق التكرير كناية عن شدة العذاب كقوله تعالى ( ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير ) فإن البصر لا يخسأ في نظرتين ولذلك كان قوله هنا ( آتهم ضعفين من العذاب ) مساويا لقوله ( فآتهم عذابا ضعفا من النار ) في سورة الأعراف . وهذا تعريض بإلقاء تبعة الضلال عليهم وأن العذاب الذي أعد لهم يسلط على أولئك الذين أضلوهم .
ووصف اللعن بالكثرة كما وصف العذاب بالضعفين إشارة إلى أن الكبراء استحقوا عذابا لكفرهم وعذابا لتسببهم في كفر أتباعهم .
فالمراد بالكثير الشديد القوي فعبر عنه بالكثير لمشاكلة معنى التثنية في قوله ( ضعفين ) المراد به الكثرة .
وقد ذكر في الأعراف جوابهم من قبل الجلالة بقوله ( قال لكل ضعف ) يعني أن الكبراء استحقوا مضاعفة العذاب لضلالهم وإضلالهم وأن أتباعهم أيضا استحقوا العذاب لضلالهم ولتسويد سادتهم وطاعتهم العمياء إياهم .
( يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها [ 69 ] ) لما تقضى وعيد الذين يؤذون الرسول E بالتكذيب ونحوه من الأذى المنبعث عن كفرهم من المشركين والمنافقين من قوله ( إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة ) حذر المؤمنين مما يؤذي الرسول A بتنزيههم عن أن يكونوا مثل قوم نسبوا إلى رسولهم ما هو أذى له وهم لا يعبأون بما في ذلك من إغضابه الذي فيه غضب الله تعالى . ولما كان كثير من الأذى قد يحصل عن غفلة أصحابه عما يوجه فيصدر عنهم من الأقوال ما تجيش به خواطرهم قبل التدبر فيما يحف بذلك من الاحتمالات التي تقلعه وتنفيه ودون التأمل فيما يترتب عليه من الواجبات . وكذلك يصدر عنهم من الأعمال ما فيه ورطة لهم قبل التأمل في مغبة عملهم نبه الله المؤمنين كي لا يقعوا في مثل تلك العنجهية لأن مدارك العقلاء في التنبيه إلى معاني الأشياء وملازماتها متفاوتة المقادير فكانت حرية بالإيقاظ والتحذير . وفائدة التشبيه تشويه الحالة المشبهة لأن المؤمنين قد تقرر في نفوسهم قبح ما أوذي به موسى عليه السلام بما سبق من القرآن كقوله ( وإذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ) الآية .
A E