وجملة ( لا يجدون وليا ولا نصيرا ) حال من ضمير ( خالدين ) أي خالدين في حالة انتفاء الولي والنصير عنهم فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون .
A E ( يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا [ 66 ] ) ( يوم ) ظرف يجوز أن يتعلق ب ( لا يجدون ) أي إن وجدوا أولياء ونصراء في الدنيا من يهود قريضة وخيبر في يوم الأحزاب فيوم تقلب وجوههم في النار لا يجدون وليا يرثى لهم ولا نصيرا يخلصهم . وتكون جملة ( يقولون ) حلا من ضمير ( يقولون ) .
ويجوز أن يتعلق الظرف بفعل ( يقولون ) حلا من ضمير ( لا يجدون ) .
ويجوز أن ينتصب بفعل محذوف تقديره : أذكر على طريقة نظائره من ظروف كثيرة واردة في القرآن وتكون جملة ( يقولون ) حالا من الضمير في ( وجوههم ) .
والتقليب : شدة القلب . والقلب : تغيير وضع الشيء على غير الجهة التي كان عليها .
والمعنى : يوم تقلب ملائكة العذاب وجوههم في النار بغير اختيار منهم أو يجعل الله ذلك التقلب في وجوههم لتنال النار جميع الوجه كما يقلب الشواء على المشوى لينضج على سواء ولو كان لفح النار مقتصرا على أحد جانبي الوجه لكان للجانب الآخر بعض الراحة .
وتخصيص الوجوه بالذكر من بين سائر الأعضاء لأن حر النار يؤذي الوجوه أشد مما يؤذي بقية الجلد لأن مقر الحواس الرقيقة : العيون والأفواه والآذان والمنافس كقوله تعالى ( فمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة ) .
وحرف ( يا ) في قوله ( يا ليتنا ) للتنبيه لقصد إسماع من يرثى لحالهم مثل ( يا حسرتنا ) . والتمني هنا كناية عن التندم على ما فات وكذلك نحو ( يا حسرتنا ) أي أن الحسرة غير مجدية .
وقد علموا يومئذ أن ما كان يأمرهم به النبي A هو تبليغ عن مراد الله منهم وأنهم إذ عصوه فقد عصوا الله تعالى فتمنوا يومئذ أن لا يكونوا عصوا الرسول المبلغ عن الله تعالى .
والألف في آخر قوله ( الرسولا ) لرعاية الفواصل التي بنيت عليها السورة فإنها بنيت على فاصلة الألف وهي ألف الإطلاق إجراء للفواصل مجرى القوافي التي تلحقها ألف الإطلاق . وقد تقدم ذلك في قوله تعالى ( وتظنون بالله الظنونا ) في هذه السورة وتقدمت وجوه القراءات في إثباتها في الوصل أو حذفها .
( وقالوا ربنا إنا اطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا [ 67 ] ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كثيرا ] 68 ] ) عطف على جملة ( يقولون ) فهي حال . وجيء بها في صيغة الماضي لأن هذا القول كان متقدما على قولهم ( يا ليتنا أطعنا الله ) فذلك التمني نشأ لهم وقت أن مسهم العذاب وهذا التنصل والدعاء اعتذروا به حين مشاهدة العذاب وحشرهم مع رؤساهم إلى جهنم قال تعالى ( حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون ) . فدل على أن ذلك قبل أن يمسهم العذاب بل حين رصفوا ونسقوا قبل أن يصب عليهم العذاب ويطلق إليهم حر النار .
والابتداء بالنداء ووصف الربوبية إظهار للتضرع والابتهال .
والسادة : جمع سيد . قال أبو علي : وزنة فعلة أي كملة لكن على غير قياس لأن صيغة فعلة تطرد في جمع فاعل لا في جمع فيعل فقلبت الواو ألفا لانفتاحها وانفتاح ما قبلها . وأما السادات فهو جمع الجمع بزيادة ألف وتاء بزنة جمع المؤنث السالم . والسادة : عظماء القوم والقبائل مثل الملوك .
وقرأ الجمهور ( سادتنا ) . وقرأ ابن عامر ويعقوب ساداتنا بألف بعد الدال وبكسر التاء لأنه جمع بألف وتاء مزيدتين على بناء مفرده . وهو جمع الجمع الذي هو سادة .
والكبراء : جمع كبير وهو عظيم العشيرة وهم دون السادة فإن كبيرا يطلق على رأس العائلة فيقول المرء لأبيه : كبيري ولذلك قوبل قولهم ( يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا ) بقولهم ( أطعنا سادتنا وكبراءنا ) .
وجملة ( إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ) خبر مستعمل في الشكاية والتذمر وهو تمهيد لطلب الانتصاف من سادتهم وكبراءهم . فالمقصود الإفضاء إلى جملة ( ربنا آتهم ضعفين من العذاب ) . ومقصود من هذا الخبر أيضا الاعتذار والتنصل من تبعة ضلالهم بأنهم مغرورون مخدوعون وهذا الاعتذار مردود عليهم بما أنطقهم الله به من الحقيقة إذ قالوا ( إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا )