ف ( الناس ) هنا يعم جميع الناس وهو عموم عرفي أي جميع الناس الذين من شأنهم الاشتغال بالسؤال عنها إذ كثير من الناس يسأل عن ذلك . وأهل هذه الأصناف الأربعة موجودين بالمدينة حين نزول هذه الآية .
وتقدم الكلام على نظير هذه الآية في قوله تعالى ( يسألونك عن الساعة أيان مرساها ) في سورة الأعراف .
والخطاب في قوله ( وما يدريك ) للرسول A . و ( ما ) استفهام ما صدقها شيء .
و ( يدريك ) من أداره إذا أعلمه . والمعنى : أي شيء يجعل لك دارية .
و ( لعل الساعة تكون قريبا ) مستأنفة لإنشاء رجاء .
و ( لعل ) معلفة فعل الإدراء عن العمل أي في المفعول الثاني والثالث وأما المفعول الأول فهو كاف الخطاب .
والمعنى : أي شيء يدريك الساعة بعيدة أو قريبة لعلها تكون بعيدا ففي الكلام إحتباك .
والأظهر أن ( قريبا ) خبر ( تكون ) وأن فعل الكون ناقص وجيء بالخبر غير مقترن بعلامة التأنيث مع أنه متحمل لضمير المؤنث لفظا ( فأن أسم الفاعل كالفعل في اقترانه بعلامة التأنيث إن كان متحملا لضمير مؤنث لفظي ) فقيل إنما لم يقترن بعلاقة التأنيث لأن ضمير الساعة جرى عليها بعد تأويلها بالشيء أو اليوم . والذي أختاره جمع من المحققين مثل أبي عبيدة والزجاح وابن عطية أن ( قريبا ) في مثل هذه الآية ليس خبر عن فعل الكون ولكنه ظرف له وهم يعنون أن فعل الكون تام وأن ( قريبا ) ظرف زمان لوقوعه . والتقدير : تقع في زمان قريب فيلزم لفظ ( قريب ) الإفراد والتذكير على نية زمان أو وقت وقد يكون ظرف زمان كما ورد في ضده وهو لفظ ( بعيد ) في قوله : .
وإن تمس ابنة السهمي منا ... بعيدا لا تكلمنا كلاما وقد أشار إلى جواز الوجهين في الكشاف . وهذان الوجهان وإن تأتيا هنا لا يتأتيان في نحو قوله تعالى ( إن رحمة الله قريب من المحسنين ) .
ويقترن ( قريب ) و ( بعيد ) بعلامة التأنيث ونحوها من العلامات الفرعية عند إرادة التوصيف . وكل هذه اعتبارات من توسعهم في الكلام . وتقدم قوله تعالى ( إن رحمة الله قريبة من المحسنين ) وفي الأعراف فضمه إلى ما هنا .
( إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا [ 64 ] خالدين فيها أبدا لا يجدون وليا ولا نصيرا [ 65 ] ) .
هذا حظ الكافرين من وعيد الساعة وهذه لعنة الآخرة قفيت بها لعنة الدنيا في قوله ( ملعونين ) ولذلك عطف عليها ( وأعد لهم سعيرا ) فكانت لعنة الدنيا مقترنة بالأخذ والتقتيل ولعنة الآخرة مقترنة بالسعير .
والجملة مستأنفة استئنافا بيانيا لأن جملة ( ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ) إلى قوله ( ولن تجد لسنة الله تبديلا ) تثير في نفوس السامعين السؤل عن الاقتصار على لعنهم وتقتيلهم في الدنيا وهل ذلك منتهى ما عوقبوا به أو لهم نم ورائه عذاب ؟ فكان قوله ( إن الله لعن الكافرين ) الخ جوابا عن ذلك .
وحرف التوكيد للاهتمام بالخبر أو منظور به إلى السامعين من الكافرين .
والتعريف في ( الكافرين ) يحتمل أن يكون للعهد أي الكافرين الذين كانوا شاقوا النبي A وآذوه وأرجفوا في المدينة وهم المنافقون ومن ناصرهم من المشركين في وقعة الأحزاب ومن اليهود . ويحتمل أن يكون التعريف للاستغراق,أي كل كافر .
وعلى الوجهين فصيغة المضي في فعل ( لعن ) مستعملة في تحقيق الوقوع شبه المحقق حصوله بالفعل الذي حصل فأستعير له صيغة الماضي مثل ( أتى أمر الله ) لأن اللعن إنما يقع في الآخرة وهو مستقبل . وأما حالهم في الدنيا فمثل أحوال المخلوقات يتمتعون برحمة الله في الدنيا من حياة ورزق وملاذ كما هو صريح الآيات والأخبار النبوية قال تعالى ( لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ) .
وقد يكون في ظاهر الآية متمسك للشيخ أبي الحسن الأشعري لقوله بانتفاء نعمة الله عن الكافرين خلافا للماتريدي والقاضي أبي بكر الباقلاني والمعتزله ولكنه متمسك ضعيف لأن التحقيق أن الخلاف بينه وبينهم خلاف لفظي يرجع إلى أن حقيقة النعمة ترجع إلى ما لا يعقب .
والسعير : النار الشديدة الإيقاد . وهو فعيل بمعنى مفعول أي مسعورة .
وأعيد الضمير على السعير في قوله ( خالدين فيها ) مؤنثا لأن ( سعيرا ) من صفات النار والنار مؤنثة في الاستعمال