والإرجاف : إشاعة الأخبار . وفيه معنى كون الأخبار كاذبة أو مسيئة لأصحابها يعيدونها في المجالس ليطمئن السامعون لها مرة بعد مره بأنها صادقه لأن الإشاعة إنما تقصد للترويج بشيء غير واقع أو مما لا يصدق به لاشتقاق ذلك من الرجف والرجفان وهو الاضطراب والتزلزل .
فالمرجفون قوم يتلقون الأخبار فيحدثون بها في مجالس ونواد ويخبرون بها من يسأل ومن لا يسأل . ومعنى الإرجاف هنا : أنهم يرجفون بما يؤذي النبي A والمسلمين والمسلمات ويتحدثون عن سرايا المسلمين فيقولون : هزموا أو أسرع فيهم القتل أو نحو ذلك لإيقاع الشك في نفوس الناس والخوف وسوء ضن بعضهم ببعض . وهم من المنافقين والذين في قلوبهم مرض واتباعهم وهم الذين قال الله فيهم ( وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ) في سورة النساء . فهذه الأوصاف لأصناف من الناس . كان أكثر المرجفين من اليهود وليسوا من المؤمنين لأن قوله عقبه ( لنغرينك بهم ) لا يساعد أن فيهم مؤمنين .
واللام في ( لئن ) موطئة للقسم فالكلام بعدها قسم محذوف . والتقدير : والله لئن لم ينته .
وللام في ( لنغرينك ) لام جواب القسم وجواب القسم دليل على جواب الشرط .
والإغراء : الحث والتحريض على فعل . ويتعدى فعله بحرف ( على ) والباء والأكثر أن تعديته ب ( على ) تفيد حثا على الفعل مطلقا في حد ذاته وأن تعديته بالباء تفيد حثا على الإيقاع بشخص لأن الباء للملابسة . فالمغرى علية ملابس لذات المجرور بالباء أي واقعا عليها . فلا يقال : أغريته به إذا حرضه على إحسان إليه .
فالمعنى : لنغرينك بعقوبتهم أي بأن تغري المسلمين بهم كما دل عليه قوله ( أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا ) فإذا حل ذلك بهم انجلوا عن المدينة فائزين بأنفسهم وأموالهم وأهليهم .
واختير عطف جملة ( لا يجاورونك ) ب ( ثم ) دون الفاء للدلالة على تراخي انتفاء المجاورة عن الإغراء بهم تراخي رتبة لأن الخروج من الأوطان أشد على النفوس مما يلحقها من ضر في الأبدان كما قال تعالى ( وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ) أي وفتنة الإخراج من بلدهم أشد عليهم من القتل .
واستثناء ( إلا قليلا ) لتأكيد نفي المجاورة وأنه ليس على طريقة المبالغة أي لا يبقون معك في المدينة إلا مدة قليلة وهي ما بين نزول الآية والإيقاع بهم . و ( قليلا ) صفة لمحذوف دل عليه ( يجاورون ) أي جوارا قليلا وقلته باعتبار مدة زمنه . وجعله صاحب الكشاف صفه لزمن محذوف فإن وقوع ضميرهم في حيز النفي يقتضي إفرادهم وعموم الأشخاص يقتضي عموم أزمانها فيكون منصوبا على الوصف لاسم الزمان وليس هو ظرفا .
و ( ملعونين ) حال مما تضمنه ( قليلا ) من معنى الجوار . فالجوار مصدر يتحمل ضمير صاحبه لأن أصل المصدر أن يضاف إلى فاعله والتقدير : إلا جوارهم ملعونين . وجعل صاحب الكشاف ( ملعونين ) مستثنى من أحوال بأن يكون حرف الاستثناء دخل على الظرف والحال كما في قوله تعالى ( إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ) . وبون ما بين هذا وبين ما نظره به لأن ذلك مشتمل على ما يصلح مجيء الحال منه . والوجه هنا هو ما سلكناه في تقدير نظمه .
واللعن : الإبعاد والطرد . وتقدم قوله تعالى ( وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين ) في سورة الحجر وهو مستعمل هنا كناية عن الإهانة والتجنب في المدينة أي يعاملهم المسلمون بتجنبهم عن مخالطتهم ويبتعدون هم من المؤمنين اتقاء ووجلا فتضمن أن يكونوا متوارين مختفين خوفا من بطش المؤمنين بهم حيث أغراهم النبي A ففي قوله ( ملعونين ) إيجاز بديع .
وقوله ( أيما ثقفوا ) ظرف مضاف إلى جملة وهو متعلق ب ( ملعونين ) لأن ( ملعونين ) حال منهم بعد صفتهم بأنهم في المدينة فأفاد عموم أمكنة المدينة . وأينما : اسم زمان متضمن معنى الشرط . والثقف : الظفر والعثور على العدو بدون قصد . وقد مهد لهذا الفعل قوله ( ملعونين ) كما تقدم .
ومعنى ( أخذوا ) أمسكوا . والأخذ : الإمساك والقبض أي أسروا والمراد : أخذت أموالهم إذ أغرى الله النبي A بهم .
والتقتيل : قوة القتل . والقوة هنا بمعنى الكثرة لأن الشيء الكثير قوي في أصناف نوعه وأيضا هو شديد في كونه سريعا لا إمهال لهم فيه .
A E