( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما [ 59 ] ) أتبع النهي عن أذى المؤمنات بأن أمرن باتقاء أسباب الأذى لأن من شأن المطالب السعي في تذليل وسائلها كما قال تعالى ( ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها ) وقال أبو الأسود : .
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها ... إن السفينة لا تجري على اليبس وهذا يرجع إلى قاعدة التعاون على إقامة المصالح وإماتة المفاسد . وفي الحديث " رحم الله والدا أعان ولده على بره " . وهذا الحديث ضعيف السند لكنه صحيح المعنى لأن بر الوالدين مطلوب فالإعانة عليه إعانة على وجود المعروف والخير .
وابتدئ بأزواج النبي A وبناته لأنهن أكمل النساء فذكرهن من ذكر بع أفراد العام للاهتمام به .
والنساء : اسم جمع للمرأة لا مفرد له من فضله وقد تقد آنفا عند قوله تعالى ( ولا نسائهن ) . فليس المراد بالنساء هنا أزواج المؤمنين بل المراد الإناث المؤمنات وإضافته إلى المؤمنين على معنى ( من ) أي النساء من المؤمنين .
والجلابيب : جمع جلباب وهو ثوب أصغر من الرداء وأكبر من الخمار والقناع تضعه المرأة على رأسها فيتدلى جانباه على عذاريها وينسدل سائره على كتفيها وظهرها تلبسه عند الخروج والسفر .
وهيئات ليس الجلابيب مختلفة باختلاف أحوال النساء تبينها العادات . والمقصود هو ما دل عليه قوله تعالى ( ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين ) .
والإدناء : التقريب وهو كناية عن اللبس والوضع أي يضعن عليهن جلابيبهن وقال بشار : .
ليلة تلبس البياض من الشهر ... وأخرى تدني جلابيب سودا فقابل ب ( تدنى ) " تلبس " فالإدناء هنا اللبس .
وكان لبس الجلباب من شعار الحرائر فكانت الإماء لا يلبسن الجلابيب .
وكانت الحرائر يلبسن الجلابيب عند الخروج إلى الزيارات ونحوها فكن لا يلبسنها في الليل وعند الخروج إلى المناصع وما كن يخرجن إليها إلا ليلا فأمرن بلبس الجلابيب في كل الخروج ليعرف أنهن حرائر فلا يتعرض إليهن شباب الدعار يحسبهن إماء أو يتعرض إليهن المنافقون استخفافا بهن بالأقوال التي تخجلهن فيتأذين من ذلك وربما يسببن الذين يؤذونهن فيحصل أذى من الجانبين . فهذا من سد الذريعة .
والإشارة ( بذلك ) إلى الإدناء المفهوم من ( يدنين ) أي ذلك اللباس أقرب إلى يعرف أنهن حرائر بشعار الحرائر فيتجنب الرجال إيذاءهن فيسلموا وتسلمن .
وكان عمر بن الخطاب مدة خلافته يمنع الإماء من التقنع كي لا يلتبسن بالجرائر ويضرب من تتقنع منهن بالدرة ثم زال ذلك بعده فذلك قول كثير : هن الحرائر لا ربات أخمرة سود المحاجر لا يقرأن بالسور والتذليل بقوله ( وكان الله غفورا رحيما ) صفح عما سبق من أذى الحرائر قبل تنبيه الناس إلى هذا الأدب الإسلامي والتذييل يقتضي إنهاء الغرض .
( لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا [ 60 ] ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتلا [ 61 ] ) انتقال من زجر قوم عرفوا بأذى الرسول A والمؤمنين والمؤمنات ومن توعدهم بغضب الله عليهم في الدنيا والآخرة إلى تهديدهم بعقاب في الدنيا يشرعه الله لهم إن هم لم يقلعوا عن ذلك للعلم بأن لا ينفع في أولئك وعيد الآخرة لأنهم لا يؤمنون بالبعث وأولئك هم المنافقون الذين أبتدئ التعريض بهم من قوله تعالى ( وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ) إلى قوله ( عظيما ) ثم من قوله ( إن الذين يؤذون الله ورسوله ) إلى قوله ( ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين ) .
وصرح هنا بما كني عنه في الآيات السالفة إذ عبر عنه بالمنافقين فعلم أن الذين يؤذون الله ورسوله هم المنافقون ومن لف لفهم .
و ( الذين في قلوبهم مرض ) قد ذكرناهم في أول السورة وهم المنطوون على النفاق أو التردد في الإيمان .
والمرجفون : في المدينة هم المنافقون فالأوصاف الثلاثة لشيء واحد قاله أبو رزين .
وجملة ( لئن لم ينته ) استئناف ابتدائي . وحذف مفعول ( ينته ) لظهوره أي لم ينتهوا عن أذى الرسول والمؤمنين .
A E