ومن أسباب الصلاة عليه أن يصلي عليه من جرى ذكره عنده وكذلك في افتتاح الكتب والرسائل وعند الدعاء وعند سماع الأذان وعند انتهاء المؤذن وعند دخول المسجد وفي التشهد الأخير .
وفي التوطئة للأمر بالصلاة على النبي بذكر الفعل المضارع في ( يصلون ) إشارة إلى الترغيب في الإكثار من الصلاة على النبي A تأسيا بصلاة الله وملائكته .
واعلم أنا لم نقف على أن أصحاب النبي A كانوا يصلون على النبي كلما ذكر اسمه ولا أن يكتبوا الصلاة عليه إذا كتبوا اسمه ولم نقف على تعيين مبدأ كتابة ذلك بين المسلمين .
والذي يبدوا أنهم كانوا يصلون على النبي إذا تذكروا بعض شؤونه كما كانوا يترحمون على الميت إذا ذكروا بعض محاسنه . وفي السيرة الحلبية " لما توفي رسول الله A واعترى عمر من الدهش ما هو معلوم وتكلم أبو بكر بما هو معلوم قال عمر " إنا لله وإنا إليه راجعون صلوات الله على رسوله وعند الله نحتسب رسوله " وروى البخاري في باب : متى يحل المعتمر : عن أسماء بنت أبي بكر أنها كانت تقول كلما مرت بالحجون " صلى الله على رسوله محمد وسلم لقد نزلنا معه ههنا ونحن يومئذ خفاف " إلى آخره .
وفي باب ما يقول عند دخول المسجد من جامع الترمذي حديث فاطمة بنت الحسين عن جدتها فاطمة الكبرى قالت : كان رسول الله إذا دخل المسجد صلى على محمد وسلم وقال : رب اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج صلى على محمد وسلم وقال : رب اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك قال الترمذي : حديث حسن وليس إسناده بمتصل .
ومن هذا القبيل ما ذكره ابن الأثير في التاريخ الكامل في حوادث سنة خمس وأربعين ومائة : أن عبد الله بن مصعب بن ثابت رثى محمدا النفس الزكية بأبيات منها : .
والله لو شهد النبي محمد ... صلى الإله على النبي وسلما ثم أحدثت الصلاة على النبي A في أوائل الكتب في زمن هارون الرشيد ذكر ذلك ابن الأثير في الكامل في سنة إحدى وثمانين ومائة وذكره عياض في الشفاء ولم يذكرا صيغة التصلية . وفي المخصص لابن سيده في ذكر الخف والنعل : إن أبا محلم بعث إلى حذاء بنعل ليحذوها وقال له " ثم سن شفرتك وسن رأس الإزميل ثم سم باسم الله وصل على محمد ثم أنحها " إلى أخره .
ولا شك أن إتباع اسم النبي A بالصلاة عليه في كتب الحديث والتفسير وغيرها كان موجودا في القرن الرابع وقد وقفت على قطعة عتيقة من تفسير يحيى بن سلام البصري مؤرخ نسخها سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة فإذا فيها الصلاة على النبي عقب ذكره اسمه .
وأحسب أن الذين سنوا ذلك هم أهل الحديث قال النووي في مقدمة شرحه على صحيح مسلم " يستحب لكاتب الحديث إذا مر ذكر الله أن يكتب D أو تعالى أو سبحانه وتعالى أو تبارك وتعالى أو جل ذكره أو تبارك اسمه أو جلت عظمته أو ما أشبه ذلك وكذلك يكتب عند ذكر النبي " A " بكاملها لا رامزا إليها ولا مقتصرا على بعضها ويكتب ذلك وإن لم يكن مكتوبا في الأصل الذي ينقل منه فإن هذا ليس رواية وإنما هو دعاء . وينبغي للقارئ أن يقرأ كل ما ذكرناه وإن لم يكن مذكورا في الأصل الذي يقرأ منه ولا يسأم من تكرر ذلك ومن أغفل ذلك حرم خيرا عظيما " اه .
وقوله ( وسلموا تسليما ) القول فيه كالقول في ( صلوا عليه ) حكما ومكانا وصفه فإن صفته حددت بقول النبي A " والسلام كما قد علمتم " فإن المعلوم هو صيغته التي في التشهد " السلام عليك أيها النبي وC وبركاته " وكان ابن عمر يقول فيه بعد وفاة النبي A " السلام على النبي وC وبركاته " والجمهور أبقوا لفظه على اللفظ الذي كان في حياة النبي E رعيا لما ورد عن النبي E أنه حي يبلغه تسليم أمته عليه .
ومن أجل هذا المعنى أبقيت له صيغة التسليم على الأحياء وهي الصيغة التي يتقدم فيها لفظ التسليم على المتعلق به لأن التسليم على الأموات يكون بتقديم المجرور على لفظ السلام . وقد قال رسول الله للذي سلم فقال : عليك السلام يا رسول الله فقال له " إن عليك السلام تحية الموتى فقل : السلام عليك " .
A E