أذاه بل حظهم أكبر من ذلك وهو أن يصلوا عليه ويسلموا وذلك هو إكرامهم لرسول الله E فيما بينهم وبين ربهم فهو يدل على وجوب إكرامه في أقوالهم وأفعالهم بحضرته بدلالة الفحوى فجملة ( يا أيها الذين آمنوا ) بمنزلة النتيجة الواقعة بعد التمهيد . وجئ في صلاة الله وملائكته بالمضارع الدال على التجديد والتكرير ليكون أمر المؤمنين بالصلاة عليه والتسليم عقب ذلك مشيرا إلى تكرير ذلك منهم إسوة بصلاة الله وملائكته .
والأمر بالصلاة عليه معناه : إيجاد الصلاة وهي الدعاء فالأمر يؤول إلى إيجاد أقوال فيها دعاء وهو مجمل في الكيفية .
والصلاة : ذكر بخير وأقوال تجلب الخير فلا جرم كان الدعاء هو أشهر مسميات الصلاة فصلاة الله : كلامه الذي يقدر به خيرا لرسوله A لأن حقيقة الدعاء في جانب الله معطل لأن الله هو الذي يدعوه الناس وصلاة الملائكة والناس : استغفار ودعاء بالرحمات .
وظاهر الأمر أن الواجب كل كلام فيه دعاء للنبي A ولكن الصحابة لما نزلت هذه الآية سألوا النبي A عن كيفية هذه الصلاة قالوا : " يا رسول الله هذا السلام عليك قد علمناه فكيف نصلي عليك ؟ " يعنون أنهم علموا السلام عليه من صيغة بث السلام بين المسلمين وفي التشهد فالسلام بين المسلمين صيغته : السلام عليكم . والسلام في التشهد " السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته " أو " السلام على النبي ورحمته الله وبركاته " فقال رسول الله : قولوا : اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد " . هذه رواية مالك في الموطأ عن أبي حميد الساعدي .
وروي أيضا عن أبي مسعود الأنصاري بلفظ " وعلى آل محمد " " عن أزواجه وذريته في الموضعين " وبزيادة " في العالمين " قبل " إنك حميد مجيد . والسلام كما قد علمتم " . وهما أصح ما روي كما قال أبو بكر بن العربي . وهناك روايات خمس أخرى متقاربة المعنى وفي بعضها زيادة وقد استقصاها ابن العربي في أحكام القرآن . ومرجع صيغها إلى توجه إلى الله بأن يفيض خيرات على رسوله A لأن معنى الصلاة الدعاء ودعاء المؤمنين ليتوجب إلا إلى الله .
وظاهر صيغة الأمر مع قرينة السياق يقتضي وجوب أن يصلي المؤمن على النبي A إلا أنه كان مجملا في العدد فمحمله محمل الأمر المجمل أن يفيد المرة لأنها ضرورية لإيقاع الفعل ولمقتضى الأمر . ولذلك اتفق فقهاء الأمة على أن واجبا على كل مؤمن أن يصلي على النبي A مرة في العمر فجعلوا وقتها العمر كالحج . وقد اختلفوا فيما زاد على ذلك في حكمه ومقداره ولا خلاف في استحباب الإكثار من الصلاة عليه وخاصة عند وجود أسبابها . قال الشافعي وإسحاق ومحمد بن المواز من المالكية واختاره أبو بكر بن العربي من المالكية : إن الصلاة عليه فرض في الصلاة فمن تركها بطلت صلاته . قال إسحاق : ولو كان ناسيا .
وظاهر حكاياتهم عن الشافعي أن تركها إنما يبطل الصلاة إذا كان عمدا وكأنهم جعلوا ذلك بيانا للإجمال الذي في الأمر من جهة الوقت والعدد فجعلوا الوقت هو إيقاع الصلاة للمقارنة بين الصلاة والتسليم وراد في التشهد فتكون الصلاة معه على نحو ما استدل أبو بكر الصديق Bه من قوله : لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإذا كان هذا مأخذهم فهو ضعيف لأن الآية لم ترد في مقام أحكام الصلاة وإلا فليس له أن يبين مجملا بلا دليل .
وقال جمهور العلماء : هي في الصلاة مستحبة وهي في التشهد الأخير وهو الذي جرى عليه الشافعية أيضا . قال الخطابي : ولا أعلم للشافعي فيها قدوة وهو مخالف لعمل السلف قبله وقد شنع عليه في هذه المسألة جدا . وهذا تشهد ابن مسعود الذي علمه النبي A والذي اختاره الشافعي ليس فيه الصلاة على النبي كذلك كل من روى التشهد عن رسول الله . قال ابن عمر : كان أبو بكر يعلمنا التشهد على المنبر كما تعلمون الصبيان في الكتاب وعلمه أيضا على المنبر عمر وليس في شيء من ذلك ذكر الصلاة على النبي A . قلت : فمن قال إنها سنة في الصلاة فإنما أراد المستحب .
وأما حديث " لا صلاة لمن لم يصل علي " فقد ضعفه أهل الحديث كلهم .
A E