ووراء هذه الحكم كلها حكمه أخرى سامية وهي زيادة تقرير أمومتهن للمؤمنين في قلوب المؤمنين التي هي أمومة جعلية شرعية . بحيث أن ذلك المعنى الجعلي الروحي وهو كونهن فلانة أو فلانة فيصبحن غير متصورات إلا بعنوان الأمومة فلا يزال ذلك المعنى الروحي ينمي في النفوس ولا تزال الصورة الحسية تتضاءل من القوة المدركة حتى يصبح معنى أمهات المؤمنين معنى قريبا في النفوس من حقائق المجردات كالملائكة وهذه حكمة من حكم الحجاب الذي سنة الناس لملوكهم في القدم ليكون ذلك أدخل لطاعتهم في نفوس الرعية . وبهذه الآية مع الآية التي تتقدمها من قوله ( يا نساء النبي لستن كأحد في النساء ) تحقق معنا الحجاب لأمهات المؤمنين المركب من ملازمتهن بيوتهن وعدم ظهور شيء من ذواتهن حتى الوجه والكفين وهو حجاب خاص بهن لا يجب على غيرهن وكان المسلمون يقتدون بأمهات المؤمنين ورعا وهم متفاوتون في ذلك على حسب العادات ولمت أنشد النميري عند الحجاج قوله : .
يخمرن أطراف البنان من التقى ... ويخرجن جنح الليل معتجرات قال الحجاج : وهكذا المرأة الحرة المسلمة .
ودل قوله ( لقلوبكم ولقلوبهن ) أن الأمر متوجه لرجال الأمة ولنساء النبي A على السواء . وقد ألحق بأزواج النبي عليه السلام ببنته فاطمة فلذلك لما خرجوا بجنازتها جعلوا عليها قبة حتى دفنت وكذلك قبة على زينب بنت جحش في خلافة عمر بن الخطاب .
( وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزوجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما [ 53 ] ) لما جيء في بيان النهي عن المكث في بيوت النبي A بأنه يؤذيه أتبع بالنهي عن أذك النبي A نهيا عاما فالخطاب في ( لكم ) للمؤمنين المفتتح بخطابهم آية ( يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم ) الآية .
والواو عاطف جملة على جملة أو هي واو الاعتراض بين جملة ( وإذا سألتموهن متاعا ) وجملة ( لا جناح عليهن في آبائهن ) .
ودلت جملة ( ما كان لكم ) على الحظر المؤكد لأن ( ما كان لكم ) نفي للاستحقاق الذي دلت عليه اللام وإقحام فعل ( كان ) لتأكيد انتفاء الإذن .
وتضمنت هذه الآية حكمين : أحدهما : تحريم أن يؤذوا رسول الله A والأذى : قول بقال له أو فعل يعامل به من شأنه أن يغضبه أو يسوء لذاته .
والأذى تقدم في أول هذه الآيات آنفا . والمعنى : أن أذى النبي A محظور على المؤمنين . وانظر الباب الثالث من القسم الثاني من كتاب الشفاء لعياض .
والحكم الثاني : تحريم أزواج رسول الله A على الناس بقوله ( ولا أن تنكحوا أزواجه من بعجه أبدا ) وهو تقرير لحكم أمومة أزواجه للمؤمنين السالف في قوله ( وأزواجه أمهاتهم ) .
وقد حكيت أقوال في سبب نزول هذه الآية : منها أن رجلا قال : لو مات محمد تزوجت عائشة أي قال بمسمع ممن نقله عنه فقيل هذا الرجل من المنافقين وهذا هو المضنون بقائل ذلك . وقيل هو من المؤمنين أي خطر ذلك في نفسه قاله القرطبي . وذكروا رواية عن ابن عباس وعن مقاتل أنه طلحة بن عبيد الله .
A E