على أن بين قضية أم سليم وقضية علي تفاوتا من جهات في مقتضى الاستحياء لا تخفى على المتبصر .
واعلم أن في ورود " يؤذي " هنا ما يبطل المثال الذي أورده ابن الأثير في كتاب المثل السائر شاهدا على أن الكلمة قد تروق السامع في كلام ثم تكون هي بعينها مكروهة للسامع . وجاء بكلمة ( يؤذي ) في هذه الآية ونظيرها " تؤذي " في قول المتنبي : .
" تلذ له المرأة وهي تؤذي A E وزعم أن وجودها في البيت يحط من قدر المعنى الشريف الذي تضمنه البيت وأحال في الجزم بذلك على الطبع السليم ولا أحسب هذا الحكم إلا غضبا من ابن الأثير لا تسوغه صناعة ولا يشهد به ذوق ولقد صرف أئمة الأدب همهم إلى بحث شعر المتنبي ونقده فلم يعد عليه أحد منهم هذا منتقدا مع اعتراف ابن الأثير بأن معنى البيت شريف فلم يبقى له إلا أن يزعم أن كراهة هذا اللفظ فيه راجعة إلى أمر لفظي من الفصاحة وليس في البيت شيء من الإخلال بالفصاحة وكأنه أراد أن يقفي على قدم الشيخ عبد القاهر فيما ذكر في الفصل الذي جعله ثانيا من كتاب دلائل الإعجاز فإن ما انتقده الشيخ في ذلك الفصل من مواقع بعض الكلمات لا يخلو من رجوع نقده إياه إلى أصول الفصاحة أو أصول تناسب معاني الكلمات بعضها مع بعض في نظم الكلام وشتان ما بين الصنعتين .
( وإذا سألتموهن متعا فسئلوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن ) عطف على جملة ( لا تدخلوا بيوت النبي ) فهي زيادة بيان للنهي عن دخول البيوت النبوية وتحديد لمقدار الضرورة التي تدعو إلى دخولها أو الوقوف بأبوابها .
وهذه الآية هي شارعة حكم حجاب أمهات المؤمنين وقد قيل : إنها نزلت في ذي القعدة سنة خمسة .
وضمير ( سألتموهن ) عائد إلى الأزواج المفهوم من ذكر البيوت في قوله ( بيوت النبي ) فإن للبيوت رباتهن وزوج الرج هي ربة البيت قال مرة بن محكان التميمي : .
يا ربة البيت قومي غير صاغرة ... ضمي إليك رجال الحي واغربا وقد كانوا لا يبنى الرجل بيتا إلا إذا أراد التزوج . وفي حديث ابن عمر : " كنت عزبا أبيت في المسجد . ومن أجل ذلك سمو الزفاف بناء . فلا جرم كانت المرأة والبيت متلازمين فدلت البيوت على الأزواج بالالتزام " . ونظير هذا قولة تعالى ( وفرش مرفوعة إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا عربا أترابا لأصحاب اليمين ) فإن ذكر الفرش يستلزم أن للفراش امرأة فلما ذكر البيوت هنا تبادر أن للبيوت ربات .
والمتاع : ما يحتاج إلى الانتفاع به مثل عارية الأواني ونحوها ومثل سؤال العفاة ويلحق بذلك ما هو أولى بالحكم من سؤال عن الدين أو عن القرآن وقد كانوا يسألون عائشة عن مسائل الدين .
والحجاب : الستر المرخى على باب البيت .
وكانت الستور مرخاة على أبواب بيوت النبي A الشارعة إلى المسجد .
وقد ورد ما يبين ذلك في حديث الوفاة حين خرج النبي A على الناس وهم في الصلاة فكشف الستر ثم أرخى الستر .
و ( من وراء حجاب ) متعلق ( فاسألوهن ) فهو قيد في السائل والمسؤول المتعلق ضميراهما بالفعل الذي تعلق به المجرور . و ( من ) ابتدائية . والوراء : مكان الخلف وهو مكان نسبي باعتبار المتجه إلى جهة فوراء الحجاب بالنسبة للمتجهين إليه فالمسؤولية مستقبلة حجابها والسائل من وراء حجابها والعكس .
والإشارة ب ( ذلكم ) إلى المذكور أي السؤال المقيد بكونه من وراء حجاب .
واسم التفضيل في قوله ( أطهر ) مستعمل للزيادة دون التفضيل .
والمعنى : ذلك أقوى طهارة لقلوبكم وقلوبهن فإن قلوب الفريقين طاهرة بالتقوى وتعظيم حرمات الله وحرمة النبي A ولكن لما كانت التقوى لا تصل بهم إلى درجة العصمة أراد الله أن يزيدهم منها بما يكسب المؤمنين مراتب من الحفظ الإلهي من الخواطر الشيطانية بقطع أضعف أسبابها وما يقرب أمهات المؤمنين من مرتبة العصمة الثابتة لزوجهن A فإن الطيبات للطيبين بقطع الخواطر الشيطانية بقطع دابرها ولو بالفرض .
وأيضا فأن الناس أوهاما وظنونا سوأى تتفاوت مراتب نفوس الناس فيها صرامة فيها صرامة ووهنا ووفاقا وضعفا كما وقع في قضية الإفك المتقدمة في سورة النور فكان شرع حجاب أمهات المؤمنين قاطعا لكل تقول وإرجاف أو بغير عمد .
A E