واللقاء : اسم مصدر لقي وهو الغالب في الاستعمال دون لقى الذي هو المصدر القياسي . واللقاء : مصادفة فاعل هذا الفعل مفعوله ويطلق مجازا على الإصابة كما يقال : لقيت عناء ولقيت عرق القربة وهو هنا مجاز أي لا تكن في مرية في أن يصيبك ما أصابه وضمير الغائب عائد إلى موسى . واللقاء مصدر مضاف إلى فاعله أي مما لقي موسى من قوم فرعون من تكذيب أي من مثل ما لقي موسى وهذا المضاف يدل عليه المقام أو يكون جاريا على التشبيه البليغ كقوله : هو البدر أي من لقاء كلقائه فيكون هذا في معنى آيات كثيرة في هذا المعنى وردت في القرآن كقوله تعالى ( ولقد استهزيء برسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ) وقوله ( وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلفك إلا قليلا سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ) . هذا أحسن تفسير للآية وقريب منه مأثور عن الحسن .
ويجوز أن يكون ضمير ( لقائه ) عائدا إلى موسى على معنى : من مثل ما لقي موسى من إرساله وهو أن كانت عاقبة النصر له على قوم فرعون وحصول الاهتداء بالكتاب الذي أوتيه وتأييده باهتداء بني إسرائيل . فيكون هذا المعنى بشارة للنبيء صلى الله عليه وسلم بأن الله سيظهر هذا الدين .
ويجوز أن يكون ضمير ( لقائه ) عائدا إلى الكتاب كما في الكشاف لكن على أن يكون المعنى : فلا تكن في شك من لقاء الكتاب أي من أن تلقى من إيتائك الكتاب ما هو شنشنة تلقي الكتب الإلهية كما تلقاها موسى . فالنهي مستعمل في التحذير ممن ظن أن لا يلحقه في إيتاء الكتاب من المشقة ما لقيه الرسل من قبله أي من جانب أذى قومه وإعراضهم .
A E ويجوز أن يكون الخطاب في قوله ( فلا تكن ) لغير معين وهو موجه للذين امتروا في أن القرآن أنزل من عند الله سواء كانوا المشركين أو الذين يلقنونهم من أهل الكتاب أي لا تمتروا في إنزال القرآن على بشر فقد أنزل الكتاب على موسى فلا تكونوا في مرية من إنزال القرآن على محمد . وهذا كقوله تعالى ( إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس ) . فالنهي مستعمل في حقيقته من طلب الكف عن المرية في إنزال القرآن . وللمفسرين احتمالات أخرى كثيرة لا تسفر عن معنى بين ومن أبعدها حمل اللقاء على حقيقته وعود ضمير الغائب لموسى وأن المراد لقاؤه ليلة الإسراء وعده الله به وحققه له في هذه الآية قبل وقوعه . قال ابن عطية : وقال المبرد حين امتحن أبا إسحاق الزجاج بهذه المسألة .
وضمير النصب في ( وجعلناه هدى ) يجوز أن يعود على الكتاب أو على موسى وكلاهما سبب هدى فوصف بأنه هدى للمبالغة في حصول الاهتداء به وهو معطوف على ( أتينا موسى الكتاب ) وما بينهما اعتراض . وهذا تعريض بالمشركين إذ لم يشكروا نعمة الله على أن أرسل إليهم محمد بالقرآن ليهتدوا فأعرضوا وكانوا أحق بأن يحرصوا على الاهتداء بالقرآن وبهدي محمد صلى الله عليه وسلم .
( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون [ 24 ] ) أشير إلى ما من الله به على بني إسرائيل إذ جعل منهم أئمة يهدون بأمر الله والأمر يشمل الوحي بالشريعة لأنه أمر بها ويشمل الانتصاب للإرشاد فإن الله أمر العلماء أن يبينوا الكتاب ويرشدوا إليه فإذا هدوا فإنما هدوا بأمره وبالعلم الذي آتاهم به أنبياؤهم وأحبارهم فأنعم الله عليهم بذلك لما صبروا وأيقنوا لما جاءهم من كتاب الله ومعجزات رسولهم فإن كان المراد من قوله ( بآياتنا يوقنون ) دلائل صدق موسى عليه السلام فالمعنى : أنهم صبروا على مشاق التكليف والخروج بهم من أرض مصر وما لقوه من فرعون وقومه من العذاب والاضطهاد وتيههم في البرية أربعين سنة وتدبروا في الآيات ونظروا حتى أيقنوا