وملك الموت هو الملك الموكل بقبض الأرواح وقد ورد ذكره في القرآن مفردا كما هنا وورد مجموعا في قوله ( ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة ) في سورة الأنفال وقوله ( توفته رسلنا ) في سورة الأنعام ؛ وذلك أن الله جعل ملائكة كثيرين لقبض الأرواح وجعل مبلغ أمر الله بذلك عزرائيل فإسناد التوفي إليه كإسناده إلى الله في قوله ( الله يتوفى الأنفس ) وجعل الملائكة الموكلين بقبض الأرواح أعوانا له وأولئك يسلمون الأرواح إلى عزرائيل فهو يقبضها ويودعها في مقارها التي أعدها الله لها ولم يرد اسم عزرائيل في القرآن . وقيل : إن ملك الموت في هذه الآية مراد به الجنس فتكون كقوله ( توفته رسلنا ) .
( ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون [ 12 ] ) أردف ذكر إنكارهم البعث بتصوير حال المنكرين أثر البعث وذلك عند حشرهم إلى الحساب وجيء في تصوير حالهم بطريقة حذف جواب ( لو ) حذفا يرادفه أن تذهب نفس السامع كل مذهب من تصوير فظاعة حالهم وهول موقفهم بين يدي ربهم وبتوجيه الخطاب إلى غير معين لإفادة تناهي حالهم في الظهور حتى لا يختص به مخاطب . والمعنى : لو ترى أيها الرائي لرأيت أمرا عظيما .
A E والمجرمون هم الذين قالوا ( أإذا ضللنا في الأرض إنا لفي خلق جديد ) فهو إظهار في مقام الإضمار لقصد التسجيل عليهم بأنهم في قولهم ذلك مجرمون أي آتون بجرم وهو جرم تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم وتعطيل الدليل .
والناكس : الذي يجعل أعلى شيء إلى أسفل يقال : نكس رأسه إذا طأطأه لأنه كمن جعل أعلى الشيء إلى أسفل .
ونكس الرؤوس علامة الذل والندامة وذلك مما يلاقون من التقريع والإهانة .
والعندية عندية السلطة أي وهم في حكم ربهم لا يستطيعون محيدا عنه فشبه ذلك بالكون في مكان مختص بربهم في أنهم لا يفلتون منه .
وجملة ( ربنا أبصرنا وسمعنا ) إلى آخر مقول قول محذوف دل عليه السياق هو في موضع الحال أي ناكسوا رؤوسهم يقولون أو قائلين : أبصرنا وسمعنا وهم يقولون ذلك ندامة وإقرارا بأن ما توعدهم القرآن به حق .
وحذف مفعول ( أبصرنا ) ومفعول ( سمعنا ) لدلالة المقام أي أبصرنا من الدلائل المبصرة ما يصدق ما أخبرنا به " فقد رأوا البعث من القبور ورأوا ما يعامل به المكذبون " وسمعنا من أقوال الملائكة ما فيه تصديق الوعيد الذي توعدنا به أي فعلمنا أن ما دعانا إليه الرسول هو الحق الذي به النجاة من العذاب فأرجعنا إلى الدنيا نعمل صالحا كما قالوا في موطن آخر ( ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل ) .
وقوله ( إنا موقنون ) تعليل لتحقيق الوعد بالعمل الصالح بأنهم صاروا موقنين بحقية ما يدعوهم الرسول صلى الله عليه وسلم إليه فكانت ( إن ) مغنية غناء فاء التفريع المفيدة للتعليل أي ما يمنعنا من تحقيق ما وعدنا به شك ولا تكذيب إنا أيقنا الآن أن ما دعينا إليه حق . فاسم الفاعل في قوله ( موقنون ) واقع زمان الحال كما هو أصله .
( ولو شئنا لأتينا كل نفس هديها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين [ 13 ] ) اعتراض بين القول المقدر قبل قوله ( ربنا أبصرنا وسمعنا ) وبين الجواب عنه بقوله ( فذوقوا بما نسيتم ) فالواو التي في صدر الجملة اعتراضية وهي من قبيل واو الحال .
ومفعول فعل المشيئة محذوف على ما هو الغالب في فعل المشيئة الواقع شرطا استغناء عن المفعول بما يدل عليه جواب الشرط