والاستفهام في ( أإذا ضللنا ) للتعجب والإحالة أي أظهروا في كلامهم استبعاد البعث بعد فناء الأجساد واختلاطها بالتراب مغالطة للمؤمنين وترويجا لكفرهم . والضلال : الغياب ومنه : ضلال الطريق والضالة : الدابة التي ابتعدت عن أهلها فلم يعرف مكانها . وأرادوا بذلك إذا تفرقت أجزاء أجسادنا في خلال الأرض واختلطت بتراب الأرض . وقيل : الضلال في الأرض : الدخول فيها بناء على أنه يقال : أضل الناس الميت أي دفنوه . وأنشدوا قول النابغة في رثاء النعمان بن الحارث الغساني : .
فآب مضلوه بعين جلية ... وغودر بالجولان حزم ونائل وقرأه نافع والكسائي ويعقوب ( إنا لفي خلق جديد ) بهمزة واحدة على الإخبار اكتفاء بدخول الاستفهام على أول الجملة ومتعلقها . وقرأ الباقون ( أإنا لفي خلق جديد ) بهمزتين أولاهما للاستفهام والثانية تأكيد لهمزة الاستفهام الداخلة على ( أإذا ضللنا في الأرض ) .
وقرأ ابن عامر بترك الاستفهام في الموضعين على أن الكلام خبر مستعمل في التهكم .
A E وتأكيد جملة ( إنا لفي خلق جديد ) بحرف ( إن ) لأنهم حكوا القول الذي تعجبوا منه وهو ما في القرآن من تأكيد تجديد الخلق فحكوه بالمعنى كما في الآية الأخرى ( وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد ) أي يحقق لكم ذلك .
و ( إذا ) ظرف وهو معمول لما في جملة ( إنا لفي خلق جديد ) من معنى الكون . والخلق : مصدر .
و ( في ) للظرفية المجازية ومعناها المصاحبة .
والجديد : المحدث أي غير خلقنا الذي كنا فيه .
و ( بل ) من ( بل هم بلقاء ربهم كافرون ) إضراب عن كلامهم أي ليس إنكارهم البعث للاستبعاد والاستحالة لأن دلائل إمكانه واضحة لكل متأمل ولكن الباعث على إنكارهم إياه هو كفرهم بلقاء الله أي كفرهم الذي تلقوه عن أئمتهم عن غير دليل فالمعنى : بل هم قد أيقنوا بانتفاء البعث فهم متعنتون في الكفر مصرون عليه لا تنفعهم الآيات والأدلة . فالكفر المثبت هنا كفر خاص وهو غير الكفر الذي دل عليه قولهم ( أإذا ضللنا في الأرض إنا لفي خلق جديد ) فإنه كفر بلقاء الله لكنهم أظهروه في صورة الاستبعاد تشكيكا للمؤمنين وترويجا لكفرهم .
وتقديم المجرور على ( كافرون ) للرعاية على الفاصلة . والإتيان بالجملة الاسمية لإفادة الدوام على كفرهم والثبات عليه .
( قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون [ 11 ] ) استئناف ابتدائي جار على طريقة حكاية المقاولات لأن جملة ( قل ) في معنى جواب لقولهم ( أإذا ضللنا في الأرض إنا لفي خلق جديد ) ؛ أمر الرسول E أن يعيد إعلامهم بأنهم مبعوثون بعد الموت . فالمقصود من الجملة هو قوله ( ثم إلى ربكم ترجعون ) إذ هو مناط إنكارهم وأما أنهم يتوفاهم ملك الموت فذكره لتذكيرهم بالموت وهم لا ينكرون ذلك ولكنهم ألهتهم الحياة الدنيا عن النظر في إمكان البعث والاستعداد له فذكروا به ثم أدمج فيه ذكر ملك الموت لزيادة التخويف من الموت والتعريض بالوعيد من قوله ( الذي وكل بكم ) فإنه موكل بكل ميت بما يناسب معاملته عند قبض روحه .
وفيه إبطال لجهلهم بأن الموت بيد الله تعالى وأنه كما خلقهم يميتهم وكما يميتهم يحييهم وأن الإماتة والإحياء بإذنه وتسخير ملائكته في الحالين . وذلك إبطال لقوله ( ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا ) فأعلمهم الله أنهم لا يخرجون عن قبضة تصرفه طرفة عين لا في حال الحياة ولا في حال الممات . وإذا كان موتهم بفعل ملك الموت الموكل من الله بقبض أرواحهم ظهر أنهم مردودة إليهم أرواحهم متى شاء الله .
والتوفي : الإماتة . وتقدم في قوله تعالى ( وهو الذي يتوفاكم بالليل ) في سورة الأنعام وقوله ( ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة ) في الأنفال