A E قال أبو بكر بن العربي في كتاب العواصم : اتفق الأئمة على أن القراءات التي لا تخالف الألفاظ التي كتبت في مصحف عثمان هي متواترة وإن اختلفت في وجوه الأداء وكيفيات النطق ومعنى ذلك أن تواترها تبع لتواتر صورة كتابة المصحف وما كان نطقه صالحا لرسم المصحف واختلف فيه فهو مقبول وما هو بمتواتر لأن وجود الاختلاف فيه مناف لدعوى التواتر فخرج بذلك ما كان من القراءات مخالفا لمصحف عثمان مثل ما نقل من قراءة ابن مسعود ولما قرأ المسلمون بهذه القراءات من عصر الصحابة ولم يغير عليهم فقد صارت متواترة على التخيير وإن كانت أسانيدها المعينة آحادا وليس المراد ما يتوهمه بعض القراء من أن القراءات كلها بما فيها من طرائق أصحابها ورواياتهم متواترة وكيف وقد ذكروا أسانيدهم فيها فكانت أسانيد أحاد وأقواها سندا ما كان له راويان عن الصحابة مثل قراءة نافع بن أبي نعيم وقد جزم ابن العربي وابن عبد السلام التونسي وأبو العباس ابن إدريس فقيه بجاية من المالكية والأبياري من الشافعية بأنها غير متواترة وهو الحق لآن تلك الأسانيد لا تقتضي إلا أن فلانا قرأ كذا وأن فلانا قرأ بخلافه وأما اللفظ المقروء فغير محتاج إلى تلك الأسانيد لأنه ثبت بالتواتر كما علمت آنفا وإن اختلفت كيفيات النطق بحروفه فضلا عن كيفيات أدائه . وقال إمام الحرمين في البرهان : هي متواترة ورده عليه الأبياري وقال المازري في شرحه : هي متواترة عند القراء وليست متواترة عند عموم الأمة وهذا توسط بين إمام الحرمين والأبياري ووافق إمام الحرمين ابن سلامة الأنصاري من المالكية . وهذه مسألة مهمة جرى فيها حوار بين الشيخين ابن عرفة التونسي وابن لب الأندلسي ذكرها الونشريسي في المعيار .
وتنتهي أسانيد القراءات العشر إلى ثمانية من الصحابة وهم : عمر بن الخطاب وعثمان ابن عفان وعلي ابن أبي طالب وعبد الله من مسعود وأبي بن كعب وأبو الدرداء وزيد ابن ثابت وأبو موسى الأشعري فبعضها ينتهي إلى جميع الثمانية وبعضها إلى بعضهم وتفصيل ذلك في علم القرآن .
وأما وجوه الإعراب في القرآن فأكثرها متواتر إلا ما ساغ فيه إعرابان مع اتحاد المعاني نحو ( ولات حين مناص ) بنصب حين ورفعه ونحو ( وزلزلوا حتى يقول الرسول ) بنصب ( يقول ) ورفعه ألا ترى أن الأمة أجمعت على رفع اسم الجلالة في قوله تعالى ( وكلم الله موسى تكليما ) وقرأه بعض المعتزلة بنصب اسم الجلالة لئلا يثبتوا لله كلاما وقرأ بعض الرافضة ( وما كنت متخذ المضلين عضدا ) بصيغة التثنية وفسروها بأبي بكر وعمر حاشاهما وقاتلهم الله .
وأما ما خالف الوجوه الصحيحة في العربية ففيه نظر قوي لأنا لا ثقة لنا بانحصار فصيح كلام العرب فيما صار إلى نحاة البصرة والكوفة وبهذا نبطل كثيرا مما زيفه الزمخشري من القراءات المتواترة بعلة أنها جرت على وجوه ضعيفة في العربية لا سيما ما كان منه في قراءة مشهورة كقراءة عبد الله بن عامر قوله تعالى ( وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركائهم ) ببناء ( زين ) للمفعول وبرفع ( قتل ) ونصب ( أولادهم ) وخفض ( شركائهم ) ولو سلمنا أن ذلك وجه مرجوح فهو لا يعدو أن يكون من الاختلاف في كيفية النطق التي لا تناكد التواتر كما قدمناه آنفا على ما في اختلاف الإعرابين من إفادة معنى غير الذي يفيده الآخر لأن لإضافة المصدر إلى المفعول خصائص غير التي لإضافته إلى فاعله ولأن لبناء الفعل للمجهول نكتا غير التي لبنائه للفاعل على أن أبا علي الفارسي ألف كتابا سماه " الحجة " احتج فيه للقراءات المأثورة احتجاجا من جانب العربية .
A E