والتذييل بقوله ( إن الله بكل شيء عليم ) لإفادة أن ذلك كله جار على حكمة لا يطلع عليها الناس وإن الله يعلم صبر الصابرين وجزع الجازعين كما تقدم في قوله في أول السورة ( فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ) قال تعالى ( لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور ) .
( ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله ) أعيد أسلوب السؤال والجواب ليتصل ربط الأدلة بعضها ببعض على قرب . فقد كان المشركون لا يدعون أن الأصنام تنزل المطر كما صرحت به الآية فقامت الحجة عليهم ولم ينكروها وهي تقرع أسماعهم .
وأدمج في الاستدلال عليهم بانفراده تعالى بإنزال المطر أن الله أحيا به الأرض بعد موتها وإن كان أكثر المشركين ينسبون المسببات إلى أسبابها العادية كما تبين في بحث الحقيقة والمجاز العقليين في قولهم : أنبت الربيع البقل أنه حقيقة عقلية في كلام أهل الشرك لأنهم مع ذلك لا ينسبون الإنبات إلى أصنامهم وقد اعترفوا بأن سبب الإنبات وهو المطر منزل من عند الله فيلزمهم أن الإنبات من الله على كل تقدير .
وفي هذا الإدماج استدلال تقريبي لإثبات البعث كما قال ( فانظر إلى أثر رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتى وهو على كل شيء قدير ) وقال ( ويحيي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون ) .
ولما كان سياق الكلام هنا في مساق التقرير كان المقام مقتضيا للتأكيد بزيادة ( من ) في قوله ( من بعد موتها ) إلجاء لهم إلى الإقرار بأن فاعل ذلك هو الله دون أصنامهم فلذلك لم يكن مقتض لزيادة ( من ) في آية البقرة وفي آية الجاثية ( فأحيا به الأرض بعد موتها ) .
وقد أشار قوله ( من بعد موتها ) إلى موت الأرض أي موت نباتها يكون بإمساك المطر عنها في فصول الجفاف أو في سنين الجدب لأنه قابله بكون إنزال المطر لإرادته إحياء الأرض بقوله ( فأحيا به الأرض ) فلا جرم أن يكون موتها بتقدير الله للعلم بأن موت الأرض كان بعد حياة سبقت من نوع هذه الحياة فصارت الآية دالة على أنه المتصرف بإحياء الأرض وإماتتها ويعلم منه أن محيي الحيوان ومميته بطريقة لحن الخطاب .
فانتظم من هذه الآيات المفتتحة بقوله ( ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ) إلى هنا أصول صفات أفعال الله تعالى وهي : الخلق والرزق والإحياء والإماتة من أجل ذلك عقبت بأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بان يحمده بكلام يدل على تخصيصه بالحمد .
( قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون [ 63 ] ) A E لما اتضحت الحجة على المشركين بأن الله منفرد بالخلق والرزق والإحياء والإماتة ولزم من ذلك أن ليس لأصنامهم شرك في هذه الأفعال التي هي أصول نظام ما على الأرض من الموجودات فكان ذلك موجبا لإبطال شركهم بما لا يستطيعون إنكاره ولا تأويله بعد أن قرعت أسماعهم دلائله وهم واجمون لا يبدون تكذيبا فلزم من ذلك صدق الرسول E فيما دعاهم إليه . وكذبهم فيما تطاولوا به عليه في أمر الله ورسوله بأن يحمده على أن نصره بالحجة نصرا يؤذن بأنه سينصره بالقوة . وتلك نعمة عظيمة تستحق أن يحمد الله عليها إذ هو الذي لقنها رسوله صلى الله عليه وسلم بكتابه وما كان يدري ما الكتاب ولا الإيمان .
فهذا الحمد المأمور به متعلقه محذوف تقديره : الحمد لله على ذلك . وهو الحجج المتقدمة وليس خاصا بحجة إنزال الماء من السماء وكذلك شأن القيود الواردة بعد جمل متعددة أن ترجع إلى جميعها وكذلك ترجع معها متعلقاتها " بكسر اللام " وقرينة المقام كنار على علم ألا ترى أن كل حجة من تلك الحجج تستأهل أن يحمد الله على إقامتها فلا تختص بالحمد حجة إنزال المطر فقد قال تعالى في سورة لقمان ( ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون ) فلذلك لا يجعل قوله ( قل الحمد لله ) اعتراضا