وتقديم المسند إليه على الخبر الفعلي في قوله ( الله يرزقها ) دون أن يقول : يرزقها الله ليفيد بالتقديم معنى الاختصاص أي الله يرزقها لا غيره فلماذا تعبدون أصناما ليس بيدها رزق .
وجملة ( وهو السميع العليم ) عطف على جملة ( الله يرزقها وإياكم ) . فالمعنى : الله يرزقكم وهو السميع لدعائكم العليم بما في نفوسكم من الإخلاص لله في أعمالكم وتوكلكم ورجائكم منه الرزق .
( ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون [ 61 ] ) هذا الكلام عائد إلى قوله ( والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون ) تعجيبا من نقائض كفرهم أي هم كفروا بالله وإن سألهم سائل عمن خلق السماوات والأرض يعترفوا بأن هو خالق ذلك ولا يثبتون لأصنامهم شيئا من الخلق فكيف يلتقي هذا مع ادعائهم الإلهية لأصنامهم . ولذلك قال الله ( فأنى يؤفكون ) أي كيف يصرفون عن توحيد الله وعن إبطال إشراكهم به ما لا يخلق شيئا .
وهذا الإلزام مبني على أنهم لا يستطيعون إذا سئلوا إلا الاعتراف لأنه كذلك في الواقع ولأن القرآن يتلى عليهم كلما نزل منه شيء يتعلق بهم ويتلوه المسلمون على مسامعهم فلو استطاعوا إنكار ما نسب إليهم لصدعوا به .
وضمير جمع الغائبين عائد إلى الذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله واستعجلوا بالعذاب بقرينة قوله ( فأنى يؤفكون ) .
والاستفهام في قوله ( فأنى يؤفكون ) إنكار وتعجيب .
وتخصيص تسخير الشمس والقمر بالذكر من بين مظاهر خلق السماوات والأرض لما في حركتهما من دلالة على عظيم القدرة مع ما في ذلك من المنة على الناس إذ ناط بحركتهما أوقات الليل والنهار وضبط الشهور والفصول .
وتسخير الشيء : إلجاؤه لعمل شديد . وأحسب أنه حقيقة سواء كان المسخر " بالفتح " ذا إرادة أم كان جمادا .
وقد تقدم عند قوله تعالى ( والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ) في سورة الأعراف .
( الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له إن الله بكل شيء عليم [ 62 ] ) هذا إلزام آخر لهم بإبطال شركهم وافتضاح تناقضهم فإنهم كانوا معترفين بأن الرازق هو الله تعالى ( قل من يرزقكم من السماء والأرض أم من يملك السمع والأبصار ) إلى قوله ( فسيقولون الله فقل أفلا تتقون ) في سورة يونس . وإنما جاء أسلوب هذا الاستدلال مخالفا لأسلوب الذي قبله والذي بعده فعدل عن تركيب ( ولئن سألتهم ) تفننا في الأساليب لتجديد نشاط السامع .
وأدمج في الاستدلال على انفراده تعالى بالرزق التذكير بأنه تعالى يرزق عباده على حسب مشيئته دليلا على أنه المختار في تصرفه وليس ذلك على مقادير حاجاتهم ولا على ما يبدو من الانتفاع بما يرزقونه .
وبسط الرزق : إكثاره وقدره : تقليله . والمقصود : أنه الرازق لأحوال الرزق وقد تقدم في قوله تعالى ( الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ) في سورة الرعد .
فجاءت هذه الآية على وزان قوله في سورة الروم ( أو لم يروا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ) فجمع بين ضمير المشركين في أولها وبين كون الآيات للمؤمنين في آخرها .
وتقديم المسند إليه على الخبر الفعلي في قوله ( الله يبسط الرزق ) لإفادة الاختصاص أي الله لا غيره يبسط الرزق ويقدر .
A E والتعبير بالمضارع لإفادة تجدد البسط والقدر .
وزيادة ( له ) بعد ( ويقدر ) في هذه الآية دون آية سورة الرعد وآية القصص للتعريض بتبصير المؤمنين الذين ابتلوا في أموالهم من اعتداء المشركين عليها كما أشار إليه قوله آنفا ( وكأين من دابة لا تحمل رزقها ) بأن ذلك القدر في الرزق هو لهم لا عليهم لما ينجر لهم منه من الثواب ورفع الدرجات فغلب في هذا الغرض جانب المؤمنين ولهذا لم يعد ( يقدر ) بحرف ( على ) كما هو مقتضى معنى القدر كما في قوله تعالى ( ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما أتاه الله ) . وقال بعض المفسرين : إن المشركين عبروا المسلمين بالفقر وقيل : إن بعض المسلمين قالوا إن هاجرنا لم نجد ما ننفق .
والضمير المجرور باللام عائد إلى ( من يشاء من عباده ) باعتبار أن ( من يشاء ) عام ليس بشخص معين لا سيما وقد بين عمومه بقوله ( من عباده ) . والمعنى : أنه يبسط الرزق لفريق ويقدر لفريق