و ( ويل ) اسم للهلاك وسوء الحال وتقدم الكلام عليه عند قوله تعالى ( فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ) في سورة البقرة . ويستعمل لفظ ( ويل ) في التعجب المشوب بالزجر فليس الذين أوتوا العلم داعين بالويل على الذين يريدون الحياة الدنيا لأن المناسب لمقام الموعظة لين الخطاب ليكون أعون على الاتعاظ ولكنهم يتعجبون من تعلق نفوس أولئك بزينة الحياة الدنيا واغتباطهم بحال قارون دون اهتمام بثواب الله الذي يستطيعون تحصيله بالإقبال على العمل بالدين والعمل النافع وهم يعلمون أن قارون غير متخلق بالفضائل الدينية .
وتقديم المسند إليه في قوله ( ثواب الله خير ) ليتمكن الخبر في ذهن السامعين لأن الابتداء بما يدل على الثواب المضاف إلى أوسع الكرماء كرما مما تستشرف إليه النفس .
وعدل عن الإضمار إلى الموصولية في قوله ( لمن آمن وعمل صالحا ) دون : خير لكم لما في الإظهار من الإشارة إلى أن ثواب الله إنما يناله المؤمنون الذين يعملون الصالحات وأنه على حسب صحة الإيمان ووفرة العمل مع ما في الموصول من الشمول لمن كان منهم كذلك ولغيرهم ممن لم يحضر ذلك المقام .
( ولا يلقياها إلا الصابرون [ 80 ] ) يجوز أن تكون الواو للعطف فهي من كلام الذين أوتوا العلم أمروا الذين فتنهم حال قارون بأن يصبروا على حرمانهم مما فيه قارون .
ويجوز أن تكون الواو اعتراضية والجملة معترضة من جانب الله تعالى علم بها عباده فضيلة الصبر .
وضمير ( يلقاها ) عائد إلى مفهوم من الكلام يجري على التأنيث أي الخصلة وهي ثواب الله أو السيرة القويمة وهي سيرة الإيمان والعمل الصالح .
والتلقية : جعل الشيء لاقيا أي مجتمعا مع شيء آخر . وتقدم عند قوله تعالى ( ويلقون فيها تحية وسلاما ) في سورة الفرقان . وهو مستعمل في الإعطاء على طريقة الاستعارة أي لا يعطي تلك الخصلة أو السيرة إلا الصابرون ؛ لآن الصبر وسيلة لنوال الأمور العظيمة لاحتياج السعي لها إلى تجلد لما يعرض في خلاله من مصاعب وعقبات كأداء فإن لم يكن المرء متخلفا بالصبر خارت عزيمته فترك ذاك لذلك .
( فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرنه من دون الله وما كان من المنتصرين [ 81 ] ) دلت الفاء على تعقيب ساعة خروجه قارون في ازدهائه وما جرى فيها من تمني قوم أن يكونوا مثله وما أنكر عليهم علماؤهم من غفلة عن التنافس في ثواب الآخرة بتعجيل عقابه في الدنيا بمرأى من الذين تمنوا أن يكونوا مثله .
والخسف : انقلاب بعض ظاهر الأرض إلى باطنها وعكسه . يقال : خسفت الأرض وخسف الله الأرض فانخسفت فهو يستعمل قاصرا ومعتديا وإنما يكون الخسف بقوة الزلزال . وأما قولهم : خسفت الشمس فذلك على التشبيه . والباء في قوله ( فخسفنا به ) باء المصاحبة أي خسفنا الأرض مصاحبة له ولداره فهو وداره مخسوفان مع الأرض التي هو فيها وتقدم قوله تعالى ( أن يخسف الله بهم الأرض ) في سورة النحل .
وهذا الخسف خارق للعادة لأنه لم يتناول غير قارون ومن ظاهره وهما رجلان من سبط ( روبين ) وغير دار قارون فهو معجزة لموسى عليه السلام