وعدل عن أن يقال : كان من بني إسرائيل لما في إضافة قوم إلى موسى من الإيماء إلى أن لقارون اتصالا خاصا بموسى فهو اتصال القرابة .
A E وجملة ( فبغى عليهم ) معترضة بين جملة ( إن قارون كان من قوم موسى ) وجملة ( وآتيناه من الكنوز ) والفاء فيها للترتيب والتعقيب أي لم يلبث أن بطر النعمة واجترأ على ذوي قرابته للتعجيب من بغي أحد على قومه كما قال طرفة : .
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة ... على المرء من وقع الحسام المهند والبغي : الاعتداء والاعتداء على الأمة الاستخفاف بحقوقها وأول ذلك خرق شريعتها . وفي الإخبار عنه بأنه من قوم موسى تمهيد للكناية بهذا الخبر عن إرادة التنظير بما عرض لرسول الله A من بغي بعض قرابته من المشركين عليه .
وفي قوله ( إن قارون كان من قوم موسى ) محسن بديعي وهو ما يسمى النثر المتزن أي النثر الذي يجئ بميزان بعض بحور الشعر فإن هذه الجملة جاءت على ميزان مصراع من بحر الخفيف ووجه وقوع ذلك في القرآن أن الحال البلاغي يقتضي التعبير بألفاظ وتركيب يكون مجموعه في ميزان مصراع من أحد بحور الشعر .
وجملة ( إن مفاتحه لتنوء بالعصبة ) صلة ( ما ) الموصولة عند نحاة البصرة الذين لا يمنعون أن تقع ( إن ) في افتتاح صلة الموصول . ومنع الكوفيون من ذلك واعتذر منعهم بأن ذلك غير مسموع في كلام العرب ولذلك تأولوا ( ما ) هنا بأنها نكرة موصوفة وأن الجملة بعدها في محل الصفة .
والمفاتح : جمع مفتح بكسر الميم وفتح المثناة الفوقية وهو آلة الفتح وسمى المفتاح أيضا . وجمعه مفاتيح وقد تقدم عند قوله تعالى ( وعنده مفاتح الغيب ) في سورة الأنعام .
والكنوز : جمع كنز وهو مختزن المال من صندوق أو خزانة وتقدم في قوله تعالى ( لولا انزل عليه كنز ) في سورة هود وأنه كان يقدر بمقدار من المال مثل ما يقولون : بدرة مال وأنه كان يجعل لذلك المقدار خزانة أو صندوق يسعه ولكل صندوق أو خزانة مفتاحه . وعن ابي رزين لقيط بن عامر العقيلي أحد الصحابة أنه قال ( يكفي الكوفة مفتاح ) أي مفتاح واحد أي كنز واحد من المال له مفتاح فتكون كثرة المفاتيح كناية عن كثرة الخزائن وتلك كناية عن وفرة المال فهو كناية بمرتبتين مثل : .
" جبان الكلب مهزول الفصيل ( وتنوء ) : تثقل . ويظهر أن الباء في قوله ( بالعصبة ) باء الملابسة أن تثقل مع العصبة الذين يحملونها فهي لشدة ثقلها تثقل مع أن حملتها عصبة أولو قوة وليست هذه الباء باء السببية كالتي في قوله امرئ القيس : .
" وأردف إعجازا وناء بكلكل ولا كمثال صاحب الكشاف : ناء به الحمل إذا أثقله الحمل حتى أماله .
وما قول أبي عبيدة بأن تركيب الآية فيه قلب فلا يقبله من كان له قلب .
والعصبة : الجماعة وتقدم في سورة يوسف . وأقرب الأقوال في مقدارها قول مجاهد أنه من عشرة إلى خمسة عشر . وكان اكتسب الأموال في مصر وخرج بها .
( إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين [ 76 ] وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ) ( إذ ) ظرف منصوب بفعل ( بغى عليهم ) والمقصود من هذا الظرف القصة وليس القصد به توقيت البغي ولذلك قدره بعض المفسرين متعلقا ب ( اذكر ) محذوفا وهو المعني في نظائره من القصص .
والمراد بالقوم بعضهم إما جماعة منهم وهم أهل الموعظة وإما موسى عليه السلام أطلق عليه اسم القوم لأن أقواله قدوة للقوم فكأنهم قالوا قوله .
A E