كان من صنوف أذى أئمة الكفر النبي A والمسلمين ومن دواعي تصلبهم في إعراضهم عن دعوته اعتزازهم بأموالهم وقالوا ( لو لا انزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ) أي على رجل من أهل الثروة فهي عندهم سبب العظمة ونبذهم المسلمين بأنهم ضعفاء القوم وقد تكرر في القرآن توبيخهم على ذلك كقوله ( وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا ) وقوله ( وذرني والمكذبين أولي النعمة ) الآية . روى الواحدي عن ابن مسعود وغيره بأسانيد : أن الملأ من قريش وسادتهم منهم عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والمطعم بن عدي والحارث بن نوفل . قالوا ( أيريد محمد أن نكون تبعا لهؤلاء ( يعنون خبابا وبلالا وعمارا وصهيبا ) فلو طرد محمد عنه موالينا وعبيدنا كان أعظم له في صدورنا وأطمع له عندنا وأرجى لاتباعنا إياه وتصديقنا له فأنزل الله تعالى ( ولا تطرد الذين يدعون ربهم ) إلى قوله ( بالساكرين ) . وكان فيما تقدم من الآيات قريبا قوله تعالى ( وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها ) إلى قوله ( من المحضرين ) كما تقدم .
وقد ضرب الله الأمثال للمشركين في جميع أحوالهم بأمثال نظرائهم من الأمم السالفة فضرب في هذه السورة لحال تعاظمهم بأموالهم مثلا بحال قارون مع موسى وإن مثل قارون صالح لأن يكون مثلا لأبي لهب ولأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب قبل إسلامه في قرابتهما من النبي A وأذاهما إياه وللعاصي بن وائل السهمي في أذاه لخباب بن الأرت وغيره للوليد بن المغيرة من التعاظم بماله وذويه . قال تعالى ( ذرني ومن خلقت وحيدا وجعلت له مالا ممدودا ) فإن المراد به الوليد بن المغيرة .
فقوله ( إن قارون كان من قوم موسى ) استئناف ابتدائي لذكر قصة ضربت مثلا لحال بعض كفار مكة وهم سادتهم مثل الوليد بن المغيرة وأبي جهل بن هشام ولها مزيد تعلق بجملة ( وما لأوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها ) إلى قوله ( ثم هو يوم القيامة من المحضرين ) .
ولهذه القصة اتصال بانتهاء قصة جند فرعون المنتهية عند قوله تعالى ( وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ) الاية .
و ( قارون ) اسم معرب أصله في العبرانية ( قورح ) بضم القاف مشبعة وفتح الراء وقع في تعريبه تغيير بعض حروفه للتخفيف وأجري وزنه على متعارف الأوزان العربية مثل طالوت وجالوت فليست حروفه حروف اشتقاق من مادة قرن .
و ( قورح ) هذا ابن عم موسى عليه السلام دنيا فهو قورح بن يصهار بن قهات بن لاوى بن يعقوب . وموسى هو ابن عموم المسمى عمران في العربية ابن قاهت فيكون يصاهر أخا عمرم وورد في الإصحاح السادس عشر من سفر العدد أن ( قورح ) هذا تألب مع بعض زعماء بني إسرائيل مائتين وخمسين رجلا منهم على موسى وهارون عليهما السلام حين جعل الله الكهانة في بني هارون من سبط ( لاوى ) فحسدهم قورح إذ كان ابن عمهم وقال لموسى وهارون ما بالكما ترتفعان على جماعة الرب إن الجماعة مقدسة والرب معها فغضب الله على قورح وأتباعه وخسف بهم الأرض وذهبت أموال ( قورح ) كلها وكان ذلك حين كان بنو إسرائيل على أبواب ( أريحا ) قبل فنحها . وذكر المفسرون ان فرعون كان جعل ( قورح ) رئيسا على بني إسرائيل في مصر وانه جمع ثروة عظيمة .
وما حكاه القرآن يبين سبب نشوء الحسد في نفسه لموسى لأن موسى لما جاء بالرسالة وخرج ببني إسرائيل زال تأمر ( قارون ) على قومه فحقد على موسى . وقد أكثر القصاص من وصف بذخة قارون وعظمته ما ليس في القرآن . وما لهم به من برهان . وتلقفه المفسرون حاشا ابن عطية .
وافتتاح الجملة بحرف التوكيد يجوز أن يكون لإفادة تأكيد خبر ( إن ) وما عطف عليه وتعلق به مما اشتملت عليه القصة وهو سوء عاقبة الذين تغرهم أموالهم وتزدهيهم فلا يكترثون بشكر النعمة ويستخفون بالدين ويكفرون بشرائع الله لظهور أن الإخبار عن قارون بأنه من قوم موسى ليس من شأنه أن يتردد فيه السامع حتى يؤكد له فمصب التأكيد هو ما بعد قوله ( إذ قال له قومه لا تفرح ) إلى آخر القصة المنتهية بالخسف .
ويجوز أن تكون ( إن ) لمجرد الاهتمام بالخبر ومناط بالاهتمام هو مجموع ما تضمنته القصة من العبر التي منها أنه من قوم موسى فصار عدوا له ولأتباعه فأمره أغرب من أمر فرعون