استئناف ابتدائي لإنشاء تنزيه الله وعلوه على طريقة الثناء عليه بتنزيه عن كل نقص وهي معترضة بين المتعاطفين . و ( سبحان ) مصدر نائب مناب فعله كما تقدم في قوله ( قالوا سبحانك لا علم لنا ) في سورة البقرة . وأضيف ( سبحان ) إلى اسمه العلم دون أن يقال : وسبحانه بعد أن قال ( وربك يعلم ) لأن اسم الجلالة مختص به تعالى وهو مستحق للتنزيه بذاته لأن استحقاق جميع المحامد مما تضمنه اسم الجلالة في أصل معناه قبل نقله إلى العلمية .
والمجرور يتنازعه كلا الفعلين . ووجه تقييد التنزيه والترفيع ب ( ما يشركون ) أنه لم يجترئ أحد أن يصف الله تعالى بما لا يليق به ويستحيل عليه إلا أهل الشرك بزعمهم أن ما نسبوه إلى الله إنما هو كمال مثل اتخاذ الولد أو هو مما أنبأهم الله به ( وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها ) . وزعموا أن الآلهة شفعاؤهم عند الله . وقالوا في التلبية : لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك . وأما ما عدا ذلك فهم معترفون بالكمال لله قال تعالى ( ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله ) . و ( ما ) مصدرية أي سبحانه وتعالى عن إشراكهم .
( وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون [ 69 ] ) عطف على ( وربك يخلق ما يشاء ويختار ) أي هو خالقهم ومركبهم على النظام الذي تصدر عنه الأفعال والاعتقادات فيكونون مستعدين لقبول الخير والشر وتغليب أحدهما على الآخر اعتقادا وعملا وهو يعلم ما تخفيه صدورهم أي نفوسهم وما يعلنونه من أقوالهم وأفعالهم . فضمير ( صدورهم أي نفوسهم وما يعلنونه من أقوالهم وأفعالهم . فضمير ( صدورهم ) عائد إلى ( ما ) من قوله ( يخلق ما يشاء ) باعتبار معناها أي ما تكن صدور المخلوقات وما يعلنون . وحيث أجريت عليهم ضمائر العقلاء فقد تعين أن المقصود البشر من المخلوقات وهم المقصود من العموم في ( ما يشاء ) فبحسب ما يعلم منهم يختارهم ويجازيهم فحصل بهذا إيماء إلى علة الاختيار وإلى الوعد والوعيد . وهذا منتهى الإيجاز .
وفي إحضار الجلالة بعنوان ( وربك ) إيماء إلى أن مما تكنه صدورهم بغض محمد A . وتقدم ( ما تكن صدورهم وما يعلنون ) آخر النمل .
( وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون [ 70 ] ) عطف على جملة ( وربك يخلق ما يشاء ويختار ) الآية . والمقصود هو قوله ( وله الحكم ) وإنما قدم عليه ما هو دليل على أنه المنفرد بالحكم مع إدماج صفات عظمته الذاتية المقتضية افتقار الكل إليه .
ولذلك ابتدئت الجملة بضمير الغائب ليعود إلى المتحدث عنه بجميع ما تقدم من قوله ( وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها ) إلى هنا أي الموصوف بتلك الصفات العظيمة والفاعل لتلك الأفعال الجليلة . والمذكور بعنوان ( ربك ) هو المسمى الله اسما جامعا لجميع معاني الكمال . فضمير الغيبة مبتدأ واسم الجلالة خبره أي فلا تلتبسوا فيه ولا تخطئوا بادعاء ما لا يليق باسمه . وقريب منه قوله ( ذلكم الله ربكم الحق ) .
وقوله ( لا إله إلا هو ) خبر ثان عن ضمير الجلالة خبر ثان عن ضمير الجلالة وفي الخبر الثاني زيادة تقرير لمدلول الخبر الأول فإن اسم الجلالة اختص بالدلالة على الإله الحق إلا أن المشركين حرفوا أو أثبتوا الإلهية للأصنام مع اعترافهم بأنها إلهية دون إلهية الله تعالى فكان من حق النظر أن يعلم أن لا إله إلا هو فكان هذا إبطال للشرك بعد إبطاله بحكاية تلاشيه عن أهل ملته يوم القيامة بقوله ( وقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ) .
وأخبر عن اسم الجلالة خبرا ثانيا بقوله ( له الحمد في الأولى والآخرة ) وهو استدلال على انتفاء إلهية غيره بحجة أن الناس مؤمنهم وكافرهم لا يحمدون في الدنيا إلا الله فلا تسمع أحدا من المشركين يقول : الحمد للعزى مثلا .
A E فاللام في ( له ) للملك أي لا يملك الحمد غيره وتقديم المجرور لإفادة الاختصاص وهو اختصاص حقيقي .
تعريف ( الحمد ) تعريف الجنس المفيد للاستغراق أي له كل حمد .
و ( الأولى ) هي الدنيا وتخصيص الحمد به في الدنيا اختصاص لجنس الحمد به لأن حمد غيره مجاز كما تقدم في أول الفاتحة .
وأما الحمد في الآخرة فهو ما في قوله ( يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده ) . واختصاص الجنس به في الآخرة حقيقة