وتكرير ( أمرت ) في قوله ( وأمرت أن أكون من المسلمين ) للإشارة إلى الاختلاف بين الأمرين فإن الأول أمر يعمله في خاصة نفسه وهو أمر إلهام إذ عصمه الله من عبادة الأصنام من قبل الرسالة . والأمر الثاني أمر يقتضي الرسالة وقد شمل دعوة الخلق إلى التوحيد . ولهذه النكتة لم يكرر أمرت في قوله ( وأن أتلوا القرآن ) لأن كلا من الإسلام والتلاوة من شؤون الرسالة .
وفي قوله ( أن أكون من المسلمين ) تنويه بهذه الأمة إذ جعل الله رسوله آحادها وذلك نكتة من العدول عن أن يقول : أن أكون مسلما .
والتلاوة : قراءة كلام معين على الناس وقد تقدم في قوله تعالى ( الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته ) وقوله ( واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان ) في سورة البقرة .
وحذف متعلق التلاوة لظهوره أي أن أتلوا القرآن على الناس .
وفرع على التلاوة ما يقتضي انقسام الناس إلى مهتد وضال أي منتفع بتلاوة القرآن عليه وغير منتفع مبينا أن من اهتدى فإنما كان اهتداؤه لفائدة نفسه . وهذا زيادة في تحريض السامعين على الاهتداء بهدي القرآن لأن فيه نفعه كما آذنت به اللام .
A E وإظهار فعل القول هنا لتأكيد أن حظ النبي A من دعوة المعرضين الضالين أن يبلغهم الإنذار فلا يطمعوا أن يحمله إعراضهم على أن يلح عليهم قبول دعوته . والمراد بالمنذرين : الرسل أي إنما أنا واحد من الرسل ما كنت بدعا من الرسل وسنتي سنة من أرسل قبلي وهي التبليغ ( فهل على الرسل إلا البلاغ المبين ) .
( وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها وما ربك بغافل عما تعملون [ 93 ] ) كان ما أمر الرسول A بأن يقول للمعاندين مشتملا على أن الله للدين الحق من التوحيد وشرائع الإسلام وأن الله هدى به الناس بما أنزل الله عليه من القرآن المتلو وأنه جعله في عداد الرسل المنذرين فكان ذلك من أعظم النعم عليه في الدنيا وأبشرها بأعظم درجة في الآخرة من أجل ذلك أمر بأن يحمد النعم عليه في الدنيا وأبشرها بأعظم درجة في الآخرة من أجل ذلك أمر بأن يحمد الله بالكلمة التي حمد الله بها نفسه وهي كلمة ( الحمد لله ) الجامعة لمعان من المحامد تقدم بيانها في أول سورة الفاتحة . وقد تقدم الكلام على قوله ( وقل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى ) في هذه السورة .
ثم استأنف بالاحتراس مما يتوهمه المعاندون حين يسمعون آيات التبرؤ من معرفة الغيب وقصر مقام الرسالة على الدعوة إلى الحق من أن يكون في ذلك نقض للوعيد بالعذاب فختم الكلام بتحقيق أن الوعيد قريب لا محالة وأن الله لا يخلف وعده فتظهر لهم دلائل صدق الله في وعده . ولذلك عبر عن الوعيد بالآيات إلى أنهم سيحل بهم ما فيه تصديق لما أخبرهم به الرسول A حين يوقنون أن ما كان يقول لهم هو الحق فمعنى ( فتعرفونها ) تعرفون دلالتها كان متعلق المعرفة هو ما في عنوان الآيات من معنى الدلالة والعلامة .
والسين تؤذن بأنها إراءة قريبة فالآيات حاصلة في الدنيا مثل الدخان وانشقاق القمر واستئصال صناديدهم يوم بدر ومعرفتهم إياها تحصل عقب حصولها ولو في وقت النزع والغرغرة . وقد قال أبو سفيان ليلة الفتح : لقد علمت أن لو كان مع الله إله غيره لقد أغنى عني شيئا . وقال تعالى ( سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ) . فمن الآيات في أنفسهم إعمال سيوف المؤمنين الذين كانوا يستضعفونهم في أعناق سادتهم وكبرائهم يوم بدر . قال أبو جهل وروحه في الغلصمة يوم بدر ( وهل أعمد من رجل قتله قومه ) يعني نفسه وهو ما لم يكن يخطر له على بال .
وقوله ( وما ربك بغافل عما تعملون ) قرأه نافع وابن عامر وحفص وأبو جعفر ويعقوب ( تعملون ) بتاء الخطاب فيكون ذلك من تمام ما أمر الرسول E بأن يقوله للمشركين . وفيه زيادة إنذار بأن أعمالهم تستوجب ما سيرونه من الآيات . والمراد : ما يعملونه في جانب تلقي دعوة رسوله محمد A وقرآنه لأن نفي الغفلة عن الله مستعمل في التعريض بأنه منهم بالمرصاد لا يغادر لهم من عملهم شيئا