وقرأ الجمهور ( من فزع يومئذ ) بإضافة ( فزع ) إلى ( يوم ) من ( يومئذ ) وإضافة ( يوم ) إلى ( إذ ) ففتحة ( يوم ) فتحة بناء لأه اسم زمان أضيف إلى اسم غير متمكن ف ( فزع ) معرف بالإضافة إلى ( يوم ) و ( يوم ) معرف بالإضافة إلى ( إذ ) و ( إذ ) مضافة إلى جملتها المعوض عنها تنوين العوض . والتقدير : من فزع يوم إذ يأتون ربهم .
وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بتنوين ( فزع ) و ( يومئذ ) منصوبا على المفعول فيه متعلقا ب ( آمنون ) . والمعنى واحد على القراءتين إذ المراد الفزع المذكور في قوله ( ففزع من في السماوات ومن في الأرض ) فلما كان معينا استوى تعريفه وتنكيره . فاتحدت القراءتان معنى لأن إضافة المصدر وتنكيره سواء في عدم إفادة العموم فتعين أنه فزع واحد .
A E والكب : جعل ظاهر الشيء إلى الأرض . وعدي الكب في هذه الآية إلى الوجوه دون بقية الجسد وإن كان الكب لجميع الجسم لأن الوجوه أول ما يقلب إلى الأرض عند الكب كقوله امرئ القيس : .
" يكب على الأذقان دوح الكنهبل وهذا من قبيل قوله تعالى ( سحروا أعين الناس ) وقوله ( ولما سقط في أيديهم ) وقول الأعشى : .
" وأقدم إذا ما أعين الناس تفرق ( هل تجزون إلا ما كنتم تعملون [ 90 ] ) تذييل للزواجر المتقدمة فالخطاب للمشركين الذين يسمعون القرآن على طريقة الالتفات من الغيبة بذكر الأسماء الظاهرة وهي من قبيل الغائب . وذكر ضمائرها ابتداء من قوله ( إنك لا تسمع الموتى ) وما بعده من الآيات إلى هنا . ومقتضى الظاهر أن يقال : هل يجزون إلا ما كانوا يعملون فكانت هذه الجملة كالتلخيص لما تقدم وهو أن الجزاء على حسب عقائدهم وأعمالهم وما العقيدة إلا عمل القلب فلذلك وجه الخطاب إليهم بالمواجهة .
ويجوز أن تكون مقولا لقول محذوف يوجه إلى الناس يومئذ أي لا يقال لكل فريق : ( هل تجزون إلا ما كنتم تعملون ) .
والاستفهام في معنى النفي بقرينة الاستثناء . وورود ( هل ) لمعنى النفي أثبته في مغني اللبيب استعمالا تاسعا قال ( أن يراد بالاستفهام بها النفي ولذلك دخلت على الخبر بعدها ( إلا ) نحو ( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ) . والباء في قوله : .
" ألا هل أخو عيش لذيذ بدائم وقال في آخر كلامه : إن من معاني الإنكار الذي يستعمل فيه الاستفهام إنكار وقوع الشيء وهو معنى النفي . وهذا تنفرد به ( هل ) دون الهمزة . قال الدماميني في الحواشي الهندية قوله : يراد بالاستفهام ب ( هل ) النفي يشعر بأن ثمة استفهاما لكنه مجازي لا حقيقي اه .
وأقول : هذا استعمال كثير ومنه قول لبيد : .
" هل أنا إلا من ربيعة أو مضر وقول النابغة : .
" وهل علي بأن أخشاك من عار حيث جاء ب ( من ) التي تدخل على النكرة في سياق النفي لقصد التنصيص على العموم وشواهده كثيرة . ولعل أصل ذلك أنه استفهام عن النفي لقصد التقرير بالنفي . والتقدير : هل لا تجزون إلا ما كنتم تعملون فلما اقترن به الاستثناء غالبا والحرف الزائد في النفي في بعض المواضع حذفوا النافي وأشربوا حرف الاستفهام معنى النفي اعتمادا على القرينة فصار مفاد الكلام نفيا وانسلخت ( هل ) عن الاستفهام فصارت مفيدة النفي . وقد أشرنا إلى هذه الآية عند قوله تعالى ( هل يجزون إلا ما كانوا يعملون ) في الأعراف .
( إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت أن أكون من المسلمين [ 91 ] وأن أتلوا القرآن فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين [ 92 ] ) أتت هذه السورة على كثير من مطاعن المشركين في القرآن وفيما جاء به من أصول الإسلام من التوحيد والبعث والوعيد بأفانين من التصريح والتضمن والتعريض بأحوال المكذبين السالفين مفصلا ذلك تفصيلا ابتداء من قوله تعالى ( تلك آيات القرآن وكتاب مبين هدى وبشرى للمؤمنين ) إلى هنا فلما كان في خلال ذلك إلحافهم على الرسول A أن يأتيهم بما وعدهم أو أن يعين لهم أجل ذلك ويقولون ( متى هذا الوعد إن كنتم صادقين )