و ( يلقون السمع ) صفة ل ( كل أفاك أثيم ) أي يظهرون أنهم يلقون أسماعهم عند مشاهدة كواكب لتتنزل عليهم شياطينهم بالخبر وذلك من إفكهم وإثمهم .
وإلقاء السمع : هو شدة الإصغاء حتى كأنه إلقاء للسمع من موضعه شبه توجيه حاسة السمع إلى المسموع الخفي بإلقاء الحجر من اليد إلى الأرض أو في الهواء قال تعالى ( أو ألقى السمع وهو شهيد ) أي أبلغ في الإصغاء ليعي ما يقال له .
وهذا كما أطلق عليه إصغاء أي إمالة السمع إلى المسموع .
وقوله ( وأكثرهم كاذبون ) أي أكثر هؤلاء الأفاكين كاذبون فيما يزعمون أنهم تلقوه من الشياطين وهم لم يتلقوا منها شيئا أي وبعضهم يتلقى شيئا قليلا من الشياطين فيكذب عليه أضعافه .
ففي الحديث الصحيح أن النبي A سئل عن الكهان فقال : ليسوا بشيء قيل : يا رسول الله فإنهم يحدثون أحيانا بالشيء يكون حقا . فقال " تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقرها في أذن وليه قر الدجاجة فيخلطون عليها أكثر من مائة كذبة " . فهم أفاكون وهم متفاوتون في الكذب فمنهم أفاكون فيما يزيدونه على خبر الجن ومنهم أفاكون في أصل تلقي شيء من الجن ولما كان حال الكهان قد يلتبس على ضعفاء العقول ببعض أحوال النبوءة في الإخبار عن غيب وأسجاعهم قد تلتبس بآيات القرآن في بادىء النظر . أطنبت الآية في بيان ماهية الكهانة وبينت أن قصاراها الإخبار عن أشياء قليلة قد تصدق فأين هذا من هدي النبي والقرآن وما فيه من الآداب والإرشاد والتعليم والبلاغة والفصاحة والصراحة والإعجاز ولا تصدي منه للإخبار بالمغيبات . كما قال ( ولا أعلم الغيب ) في آيات كثيرة من هذا المعنى .
( والشعراء يتبعهم الغاوون [ 224 ] ألم تر أنهم في كل واد يهيمون [ 225 ] وأنهم يقولون ما لا يفعلون [ 226 ] إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا ) .
A E كان مما حوته كنانة بهتان المشركين أن قالوا في النبي A : هو شاعر فلما نثلث الآيات السابقة سهام كنانتهم وكسرتها وكان منها قولهم : هو كاهن لم يبق إلا إبطال قولهم : هو شاعر وكان بين الكهانة والشعر جامع في خيال المشركين إذ كانوا يزعمون أن للشاعر شيطانا يملي عليه الشعر وربما سموه الرئي فناسب أن يقارن بين تزييف قولهم في القرآن : هو شعر وقولهم في النبي A : هو شاعر وبين قولهم : هو قول كاهن كما قرن بينهما في قوله تعالى ( وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون ) ؛ فعطف هنا قوله ( والشعراء يتبعهم الغاوون ) على جملة ( تنزل على كل أفاك أثيم ) .
ولما كان حال الشعراء في نفس الأمر مخالفا لحال الكهان إذ لم يكن لملكة الشعر اتصال ما بالنفوس الشيطانية وإنما كان ادعاء ذلك من اختلاق بعض الشعراء أشاعوه بين عامة العرب اقتصرت الآية على نفي أن يكون الرسول شاعرا وأن يكون القرآن شعرا . دون تعرض إلى تنزيل الشياطين كما جاء في ذكر الكهانة .
وقد كان نفر من الشعراء بمكة يهجون النبي A وكان المشركون يعنون بمجالسهم وسماع أقوالهم ويجتمع إليهم الأعراب خارج مكة يستمعون أشعارهم وأهاجيهم أدمجت الآية حال من يتبع الشعراء بحالهم تشويها للفريقين وتنفيرا منهما . ومن هؤلاء النضر بن الحارث وهبيرة بن أبي وهب ومسافع بن عبد مناف وأبو عزة الجمحمي وابن الزبعرى وأمية بن أبي الصلت وأبو سفيان ابن الحارث وأم جميل العوراء بنت حرب زوج أبي لهب التي لقبها القرآن : ( حمالة الحطب ) وكانت شاعرة وهي التي قالت : .
" مذمما عصينا وأمره أبينا ودينه قلينا فكانت هذه الآية نفيا للشعر أن يكون من خلق النبي A وذما للشعراء الذين تصدوا لهجائه