والتوكل : تفويض المرء أمره إلى من يكفيه مهمه تقدم عند قوله تعالى ( فإذا عزمت فتوكل على الله ) في سورة آل عمران .
ووصفه تعالى ب ( الذي يراك حين تقوم ) مقصود به لازم معناه . وهو أن النبي A بمحل العناية منه لأنه يعلم توجهه إلى الله ويقبل ذلك منه فالمراد من قوله ( يراك ) رؤية خاصة وهي رؤية الإقبال والتقبل كقوله ( فإنك بأعيننا ) .
والقيام : الصلاة في جوف الليل غلب هذا الاسم عليه في اصطلاح القرآن والقلب في الساجدين هو صلاته في جماعات المسلمين في مسجده . وهذا يجمع معنى العناية بالمسلمين تبعا للعناية برسولهم فهذا من بركته A وقد جمعها هذا التركيب العجيب الإيجاز .
وفي هذه الآية ذكر صلاة الجماعة . قال مقاتل لأبي حنيفة : هل تجد الصلاة في الجماعة في القرآن ؟ فقال أبو حنيفة : لا يحضرني فتلا مقاتل هذه الآية .
وموقع ( إنه هو السميع العليم ) موقع التعليل للأمر ب ( فقل إني بريء مما تعملون ) وللأمر ب ( توكل على العزيز الرحيم ) فصفة ( السميع ) مناسبة للقول وصفة ( العليم ) مناسبة للتوكل أي أنه يسمع قولك ويعلم عزمك .
وضمير الفصل في قوله ( هو السميع العليم ) للتقوية .
( هل أنبئكم على من تنزل الشياطين [ 221 ] تنزل على كل أفاك أثيم [ 222 ] يلقون السمع وأكثرهم كاذبون [ 223 ] ) .
لما سفه قولهم في القرآن : إنه قول كاهن فرد عليهم بقوله ( وما تنزلت به الشياطين ) وأنه لا ينبغي للشياطين ولا يستطيعون مثله وأنهم حيل بينهم وبين أخبار أوليائهم عاد الكلام إلى وصف حال كهانهم ليعلم أن الذي رموا به القرآن لا ينبغي أن يتلبس بحال أوليائهم . فالجملة متصلة في المعنى بجملة ( هل أنبئكم على من تنزل الشياطين ) .
وألقي الكلام إليهم في صورة استفهام عن أن يعرفوهم لمن تتنزل عليه الشياطين استفهاما فيه تعريض بأن المستفهم عنه مما يسوءهم لذلك يحتاج فيه إلى إذنهم بكشفه .
A E وهذا الاستفهام صوري مستعمل كناية عن كون الخبر مما يستأذن في الإخبار به . واختير له حرف الاستفهام دال على التحقيق وهو ( هل ) لأن هل في الاستفهام بمعنى ( قد ) والاستفهام مقدر فيها بهمزة استفهام فالمعنى : أنبئكم إنباء ثابتا محققا وهو استفهام لا يترقب منه جواب المستفهم لأنه ليس بحقيقي فلذلك يعقبه الإفضاء بما استفهم عنه قبل الإذن من السامع . ونظيره في الجواب قوله تعالى ( عم يتساءلون عن النبأ العظيم ) وإن كان بين الاستفهامين فرق .
وفعل ( أنبئكم ) معلق عن العمل بالاستفهام في قوله ( على من تنزل الشياطين ) . وهو أيضا استفهام صوري معناه الخبر كناية عن أهمية الخبر بحيث إنه مما يستفهم عنه المتحسسون ويتطلبونه فالاستفهام من لوازم الاهتمام .
والمجرور مقدم على عاملة للاهتمام بالمتنزل عليه . وأصل التركيب : من تنزل عليه الشياطين فلما قدم المجرور دخل حرف ( على ) على اسم الاستفهام وهو ( من ) لأن ما صدقها هو المتنزل عليه ولا يعكر عليه أن المتعارف أن يكون الاستفهام في صدر الكلام لأن أسماء الاستفهام تضمنت معنى الاسمية وهو أصلها وتضمنت معنى همزة الاستفهام كما تضمنته ( هل ) فإذا لزم مجيء حرف الجر مع أسماء الاستفهام ترجح فيها جانب الاسمية فدخل الحرف عليها ولم تقدم هي عليه فلذلك تقول : أعلى زيد مررت ؟ ولا تقول : من على مررت ؟ وإنما تقول : على من مررت ؟ وكذا في بقية أسماء الاستفهام نحو ( عم يتساءلون ) ( من أي شيء خلقه ) وقولهم : علام وإلام وحتام و ( فيم أنت من ذاكرها ) .
وأجيب الاستفهام هنا بقوله ( تنزل على كل أفاك أثيم ) .
و ( كل ) هنا مستعملة في معنى التكثير أي على كثير من الأفاكين وهم الكهان قال النابغة : .
وكل صموت نثلة تبعية ... ونسج سليم كل قمصاء ذائل والأفاك كثير الإفك أي الكذب والأثيم كثير الأثم . وإنما كان الكاهن أثيما لأنه يضم إلى كذبه تضليل الناس بتمويه أنه لا يقول إلا صدقا وأنه يتلقى الخبر من الشياطين التي تأتيه بخبر السماء .
وجعل للشياطين ( تنزل ) لأن اتصالها بنفوس الكهان يكون بتسلسل تموجات في الأجواء العليا كما تقدم في سورة الحجر