( فلا تدع مع الله إلها آخر فتكون من المعذبين [ 213 ] ) .
لما وجه الخطاب إلى النبي A من قوله ( نزل به الروح الأمين على قلبك ) إلى هنا في آيات أشادت بنزول القرآن من عند الله تعالى وحققت صدقه بأنه مذكور في كتب الأنبياء السالفين وشهد به علماء بين إسرائيل وأنحى على المشركين بإبطال ما ألصقوه بالقرآن من بهتانهم لا جرم اقتضى ذلك ثبوت ما جاء به القرآن . وأصل ذلك هو إبطال دين الشرك الذي تقلدته قريش وغيرها وناضلت عليه بالأكاذيب ؛ فناسب أن يتفرع عليه النهي عن الإشراك بالله والتحذير منه .
فقوله ( فلا تدع مع الله إلها آخر ) خطاب لغير معين فيعم كل من يسمع هذا الكلام ويجوز أن يكون الخطاب موجها إلى النبيء A لأنه المبلغ عن الله تعالى فللاهتمام بهذا النهي وقع توجيهه إلى النبيء A مع تحقق أنه منته عن ذلك فتعين أن يكون النهي للذين هم متلبسون بالإشراك ونظير هذا قوله تعالى ( ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين ) . والمقصود من مثل ذلك الخطاب غيره ممن يبلغه الخطاب .
فالمعنى : فلا تدعو مع الله إلها آخر فتكونوا من المعذبين . وفي هذا تعريض بالمشركين أنهم سيعذبون للعلم بأن النبي A وأصحابه غير مشركين .
( وأنذر عشيرتك الأقربين [ 214 ] ) .
عطف على قوله ( نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين ) فهو تخصيص بعد تعميم للاهتمام بهذا الخاص . ووجه الاهتمام أنهم أولى الناس بقبول نصحه وتعزيز جانبه ولئلا يسبق إلى أذهانهم أن ما يلقيه الرسول من الغلظة في الإنذار وأهوال الوعيد لا يقع عليهم لأنهم قرابة هذا المنذر وخاصته . ويدل على هذا قوله A في ندائه لهم ( لا أغني عنكم من الله شيء ) وأن فيه تعريضا بقلة رعي كثير منهم حق القرابة إذ آذاه كثير منهم وعصوه مثل أبي لهب فلا يحسبوا أنهم ناجون في الحالتين وأن يعلموا أنهم لا يكتفي من مؤمنهم بإيمانه حتى يضم إليه العمل الصالح ؛ فهذا مما يدخل في النذارة ولذلك دعا النبي A عند نزول هذه الآية قرابته مؤمنين وكافرين .
A E ففي حديث عائشة وابن عباس وأبي هريرة في صحيحي البخاري ومسلم يجمعها قولهم " لما نزلت ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) قام رسول الله على الصفا فدعا قريشا فجعل ينادي : يا بني فهر يا بني عدي لبطون قريش حتى اجتمعوا فجعل الجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو فقال : يا معشر قريش فعم وخص يا بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار يا بني مرة بن كعب أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد شمس أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار أشتروا أنفسكم من الله لا أغني عنكم من الله شيئا يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئا يا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا يا فاطمة بنت رسول الله سليني من مالي ما شئت لا أغني عنك من الله شيئا غير أن لكم رحما سأبلها ببلالها " وكانت صفية وفاطمة من المؤمنين وكان إنذارهما إعمال لفعل الأمر في معانيه كلها من الدعوة إلى الإيمان وإلى صالح الأعمال ؛ فجمع النبي A بين الإنذار من الشرك والإنذار من المعاصي لأنه أنذر صفية وفاطمة وكانتا مسلمتين .
وفي صحيح البخاري عن ابن عباس قال : لما نزلت ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) صعد النبي A على الصفا فجعل ينادي يا بني فهر يا بني عدي لبطون قريش حتى اجتمعوا فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو فجاء أبو لهب وقريش فقال : أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي ؟ قالوا : نعم ما جربنا عليك إلا صدقا . قال : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد . فقال أبو لهب : تبا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا ؟ ! فنزلت ( تبت يدا أبي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب )