و ( أوفوا ) أمر بالإيفاء أي جعل الشيء تاما أي اجعلوا الكيل غير ناقص . والمخسر : فاعل الخسارة لغيره أي المنقص فمعنى ( ولا تكونوا من المخسرين ) لا تكونوا من المطففين . وصوغ ( من المخسرين ) أبلغ من : لا تكونوا مخسرين . لأنه يدل على الأمر بالتبرؤ من أهل هذا الصنيع كما تقدم آنفا في عدة آيات منها قوله ( لتكونن من المرجومين ) في قصة نوح .
والقسطاس : بضم القاف وبكسرها من أسماء العدل ومن أسماء الميزان وتقدم في قوله تعالى ( وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلا ) في سورة الإسراء حمل على المعنيين هنا كما هنالك وإن كان الوصف ب ( المستقيم ) يرجح أن المقصود به الميزان وتقدم تفصيل ما يرجع إليه هذا التشريع في قصته في الأعراف .
وقرأ الجمهور ( بالقسطاس ) بضم القاف . وقرأه حمزة والكسائي وحفص عن عاصم وخلف بكسر القاف .
وبخس أشياء الناس : غبن منافعها وذمها بغير ما فيها ليضطروهم إلى بيعها بغبن وأما الفساد فيقع على جميع المعاملات الضارة .
والبخس : النقص والذم . وتقدم في قوله ( ولا يبخس منه شيئا ) في سورة البقرة ونظيره في سورة الأعراف . وقد تقدم نظير بقية الآية في سورة هود . ومن بخس الأشياء أن يقولوا للذي يعرض سلعة سليمة للبيع : إن سلعتك رديئة ليصرف عنها الراغبين فيشتريها برخص .
( واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين [ 184 ] ) .
A E أكد قوله في صدر خطابه ( فاتقوا الله ) بقوله هنا ( واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين ) وزاد فيه دليل استحقاقه التقوى بأن الله خلقهم وخلق الأمم من قبلهم وباعتبار هذه الزيادة أدخل حرف العطف على فعل ( اتقوا ) ولو كان مجرد تأكيد لم يصح عطفه . وفي قوله ( الذي خلقكم ) إيماء إلى نبذ اتقاء غيره من شركائهم .
والجبلة بكسر الجيم والباء وتشديد اللام : الخلقة وأريد به المخلوقات لأن الجبلة اسم كالمصدر ولهذا وصف ب ( الأولين ) . وقيل : أطلق الجبلة على أهلها أي وذوي الجبلة الأولين . والمعنى : الذي خلقكم وخلق الأمم قبلكم .
( قالوا إنما أنت من المسحرين [ 185 ] وما أنت إلا بشر مثلنا وإن نظنك لمن الكاذبين [ 186 ] فأسقط علينا كسفا من السماء إن كنت من الصادقين [ 187 ] قال ربي أعلم بما تعملون [ 188 ] ) .
نفوا رسالته عن الله كناية وتصريحا فزعموه مسحورا أي مختل الإدراك والتصورات من جراء سحر سلط عليه . وذلك كناية عن بطلان أن يكون ما جاء به رسالة عن الله . وفي صيغة ( من المسحرين ) من المبالغة ما تقدم في قوله ( من المرجومين - من المسحرين - من المخرجين ) .
والإتيان بواو العطف في قوله ( وما أنت إلا بشر مثلنا ) يجعل كونه بشرا إبطالا ثانيا لرسالته . وترك العطف في قصة ثمود يجعل كونه بشرا حجة على أن ما يصدر منه ليس وحيا على الله بل هو من تأثير كونه مسحورا . فمآل معنيي الآيتين متحد ولكن طريق إفادته مختلف وذلك على حسب أسلوب الحكايتين .
وأطلق الظن على اليقين في ( وإن نظنك لمن الكاذبين ) وهو إطلاق شائع كقوله ( الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم ) وقرينته هنا دخول اللام على المفعول الثاني ل ( ظن ) لأن أصلها لام قسم .
و ( ان ) مخففة من الثقيلة واللام في ( لمن الكاذبين ) اللام الفارقة وحقها أن تدخل على ما أصله الخبر فيقال هنا مثلا : وإن أنت لمن الكاذبين لكن العرب توسعوا في المخففة فكثيرا ما يدخلونها على الفعل الناسخ لشدة اختصاصه بالمبتدأ والخبر فيجتمع في الجملة حينئذ ناسخان مثل قوله تعالى ( وإن كانت لكبيرة ) وكان أصل التركيب في مثله : ونظن أنك لمن الكاذبين فوقع تقديم وتأخير لأجل تصدير حرف التوكيد لأن ( إن ) وأخواتها لها صدر الكلام ما عدا ( أن ) المفتوحة . وأحسب أنهم ما يخففون ( إن ) إلا عند إرادة الجمع بينها وبين فعل من النواسخ على طريقة التنازع فالذي يقول : إن أظنك لخائفا أراد أن يقول : أظن انك لخائف فقدم ( إن ) وخففها وصير خبرها مفعولا لفعل الظن فصار : إن أظنك لخائفا والكوفيون يجعلون ( إن ) في مثل هذا الموقع حرف نفي ويجعلون اللام بمعنى ( إلا ) .
والأمر في ( فأسقط ) أمر تعجيز