و ( فرهين ) صيغة مبالغة في قراءة الجمهور بدون ألف بعد الفاء مشتق من الفراهة وهي الحذق والكياسة أي عارفين حذقين بنحت البيوت من الجبال بحيث تصير بالنحت كأنها مبنية . وقرأه ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي وخلف ( فارهين ) بصيغة اسم الفاعل .
وقوله ( فاتقوا الله وأطيعون ) مفرع مثل نظيره في قصة عاد .
والمراد ب ( المسرفين ) أيمة القوم وكبراؤهم الذين يعزونهم بعبادة الأصنام ويبقونهم في الضلالة استغلالا لجهلهم وليسخروهم لفائدتهم . والإسراف : الإفراط في شيء والمراد به هنا الإسراف المذموم كله في المال وفي الكفر ووصفهم بأنهم ( يفسدون في الأرض ) فالإسراف منوط بالفساد .
وعطف ( ولا يصلحون ) على جملة ( يفسدون في الأرض ) تأكيد لوقوع الشيء بنفي ضده مثل قوله تعالى ( وأضل فرعون قومه وما هدى ) وقول عمرو بن مرة الجهني : .
" النسب المعروف غير المنكر يفيد أن فسادهم لا يشوبه صلاح ؛ فكأنه قبل : الذين إنما هم مفسدون في الأرض فعدل عن صيغة القصر لئلا يحتمل أنه قصر مبالغة لأن نفي الإصلاح عنهم يؤكد إثبات الإفساد لهم فيتقرر ذلك في الذهن ويتأكد معنى إفسادهم بنفي ضده كقول السموأل أو الحارثي : A E .
تسيل على حد الظبات نفوسنا ... وليست على غير الظبات تسيل والتعريف في ( الأرض ) تعريف العهد .
( قالوا إنما أنت من المسحرين [ 153 ] ما أنت إلا بشر مثلنا فأت بآية إن كنت من الصادقين [ 154 ] ) .
أجابوا موعظته بالبهتان فزعموه فقد رشده وتغير حاله واختلقوا أن ذلك من اثر سحر شديد . فالمسحر : اسم مفعول سحره إذا سحره سحرا متمكنا منه و ( من المسحرين ) أبلغ في الاتصاف بالتسحير من أن يقال : إنما أنت مسحر كما تقدم في قوله ( لتكونن من المرجومين ) .
ولما تضمن قولهم ( إنما أنت من المسحرين ) تكذيبهم إياه أيدوا تكذيبه بأنه بشر مثلهم . وذلك في زعمهم ينافي أن يكون رسولا من الله لأن الرسول في زعمهم لا يكون إلا مخلوقا خارقا للعادة كأن يكون ملكا أو جنيا . فجملة ( ما أنت إلا بشر مثلنا ) في حكم التأكيد بجملة ( إنما أنت من المسحرين ) باعتبار مضمون الجملتين .
وفرعوا على تكذيبه المطالبة بأن يأتي بآية على صدقه أي أن يأتي بخارق عادة يدل على أن الله صدقه في دعوى الرسالة عنه . وفرضوا صدقه بحرف ( إن ) الشرطية الغالب استعمالها في الشك .
ومعنى ( من الصادقين ) من الفئة المعروفين بالصدق يعنون بذلك الرسل الصادقين لدلالته على تمكن الصدق منه كما تقدم في قوله ( من المرجومين ) .
( قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم [ 155 ] ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم [ 156 ] فعقروها فأصبحوا نادمين [ 157 ] فأخذهم العذاب إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين [ 158 ] وإن ربك لهو العزيز الرحيم [ 159 ] ) .
اسم الإشارة إلى ناقة جعلها لهم آية . وتقدم خبر هذه الناقة في سورة هود وذكر أن صالحا جعل لها شربا وهو بكسر الشين وسكون الراء : النوبة في الماء للناقة يوما تشرب فيه لا يزاحمونها فيه بأنعامهم . والكلام على ( عذاب يوم عظيم ) نظير الكلام على نظيره في قصة عاد ورسولهم .
وأصبحوا نادمين لما رأوا أشراط العذاب الذي توعدهم به صالح ولذلك لم ينفعهم الندم لأن العذاب قد حل بهم سريعا فلذلك عطف بفاء التعقيب على ( نادمين فأخذهم العذاب ) .
وتقدم نظير قوله ( إن في ذلك لآية ) الآية .
( كذبت قوم لوط المرسلين [ 160 ] إذ قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون [ 161 ] إني لكم رسول أمين [ 162 ] فاتقوا الله واطيعون [ 163 ] وما أسئلكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العلمين [ 164 ] ) .
القول في موقعها كالقول في سابقتها والقول في تفسيرها كالقول في نظيرتها .
وجعل لوطا أخا لقومه ولم يكن من نسبهم وإنما كان نزيلا فيهم إذ كان قوم لوط من أهل فلسطين من الكنعانيين وكان لوط عبرانيا وهو ابن أخي إبراهيم ولكنه لما استوطن بلادهم وعاشر فيهم وحالفهم وظاهرهم جعل أخا لهم كقول سحيم عبد بني الحسحاس :