ومعنى ( كبكبوا ) كبوا فيها كبا بعد كب فإن ( كبكبوا ) مضاعف كبوا بالتكرير وتكرير اللفظ مفيد تكرير المعنى مثل : كفكف الدمع ونظيره في الأسماء : جيش لملم أي كثير مبالغة في اللم وذلك لأن له فعلا مرادفا له مشتملا على حروفه ولا تضعيف فيه مكان التضعيف في مرادفه لأجل الدلالة على الزيادة في معنى الفعل .
وضمائر ( ينصركم - وينتصرون - وكبكبوا ) عائد إلى ( ما تعبدون ) بتنزيلها منزلة العقلاء . وجنود إبليس : وهم أولياؤه وأصناف أهل الضلالات التي هي من وسوسة إبليس . وتقدم الكلام على إبليس في سورة البقرة .
( قالوا وهم فيها يختصمون [ 96 ] تالله إن كنا لفي ضلل مبين [ 97 ] إذ نسويكم برب العلمين [ 98 ] وما أضلنا إلا المجرمون [ 99 ] فما لنا من شافعين [ 100 ] ولا صديق حميم [ 101 ] فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين [ 102 ] ) .
ويجوز أن يكون هذا من حكاية كلام إبراهيم عليه السلام أطنب به الموعظة لتصوير هول ذلك اليوم فتكون الجملة حالا أو تكون مستأنفة استئنافا بيانيا كما سيأتي .
A E ويجوز أن يكون حكاية كلام إبراهيم انتهت عند قوله ( وجنود إبليس أجمعون ) أو عند قوله تعالى ( يوم يبعثون ) على ما استظهر ابن عطية . ويكون هذا الكلام موعظة من الله للسامعين من المشركين وتعليما منه للمؤمنين فتكون الجملة استئنافا معترضا بين ذكر القصة والتي بعدها وهو استئناف بياني ناشئ عن قوله ( فكبكبوا فيها ) لأن السامع بحيث يسأل عن فائدة إيقاع الأصنام في النار مع أنها لا تفقه ولا تحسن فبين له ذلك فحكاية مخاصمة عبدتها بينهم لأن رؤيتهم أصنامهم هو مثار الخصومة بينهم إذ رأى الأتباع كذب مضلليهم معاينة ولا يجد المضللون تنصلا ولا تفصيا فإن مذلة الأصنام وحضورها معهم وهم في ذلك العذاب أقوى شاهد على أنها لا تملك شيئا لهم ولا لأنفسها .
وأما جملة ( وهم فيها يختصمون ) فهي في موضع الحال وجملة ( تالله ) مقول القول وجملة ( إن كنا لفي ضلال مبين ) جواب القسم . و ( إن ) مخففة من ( إن ) المخففة المؤكدة وبين ( إن ) النافية والغالب أن لا تخلو الجملة التي بعد ( إن ) المخففة عن فعل من باب ( كان ) .
وجيء في القسم بالتاء دون الواو لأن التاء تختص بالقسم في شيء متعجب منه كما تقدم في قوله تعالى ( قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض ) في سورة يوسف وقوله ( وتالله لأكيدن أصنامكم ) في سورة الأنبياء فهم يعجبون من ضلالهم إذ ناطوا آمالهم المعونة والنصر بحجارة لا تغني عنهم شيئا . ولذلك أفادوا تمكن الضلال منهم باجتلاب حرف الظرفية المستعار لمعنى الملابسة لأن المظروف شديد الملابسة لظرفه وأكدوا ذلك بوصفهم الضلال بالمبين أي الواضح البين . وفي هذا تسفيه منهم لأنفسهم إذ تمشى عليها هذا الضلال الذي ما كان له أن يروج على ذي مسكة من عقل .
و ( إذ نسويكم ) ظرف متعلق ب ( كنا ) أي كنا في ضلال في وقت إنا نسويكم برب العالمين . وليست ( إذ ) بموضوعة للتعليل كما توهمه الشيخ أحمد بن علوان التونسي الشهير بالمصري فيما حكاه عنه المقري في نفح الطيب في ترجمة أبي جعفر اللبلي في الباب الخامس من القسم الأول وإنما غشي عليه حاصل المعنى المجازي فتوهمه معنى من معاني ( إذ ) . ومنه قول النابغة : .
فعد عما ترى إذ ... لا ارتجاع له أي حين لا ارتجاع له .
والتسوية : المعادلة والمماثلة أي إذ نجعلكم مثل رب العالمين فالظاهر أنهم جعلوهم مثله مع الاعتراف بالإلهية وهو ظاهر حال إشراكهم كما تقدم في قوله ( فإنهم عدو لي إلا رب العالمين ) ويحتمل أنهم جعلوه مثله فيما تبين لهم من إلهيته يومئذ إذ كانوا لا يؤمنون بالله أصلا في الدنيا فهي تسوية بالمآل وقد آبوا إلى الاعتراف بما تضمنته كلمة إبراهيم لهم في الدنيا إذ قال لهم ( فإنهم عدو لي إلا رب العالمين )