وقد جعل الله في ذريته أنبياء ورسلا يذكرونه وتذكره الأمم التابعة لهم ويخلد ذكره في الكتب . قال ابن العربي ( قال مالك : لا بأس أن يحب الرجل أن يثنى عليه صالحا ويرى في عمل الصالحين إذا قصد به وجه الله وهو الثناء الصالح وقد قال الله تعالى ( وألقيت عليك محبة مني ) وهي رواية أشهب عن مالك C . وقد تقدم الكلام على هذا مشبعا عند قوله تعالى ( والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما ) في سورة الفرقان .
واللسان مراد به الكلام من إطلاق اسم الآلة على ما يتقوم بها . واللام في قوله ( لي ) تقتضي أن الذكر الحسن لأجله فهو ذكره بخير . وإضافة ( لسان ) إلى ( صدق ) من إضافة الموصوف إلى الصفة ففيه مبالغة الوصف بالمصدر أي لسانا صادقا .
والصدق هنا كناية عن المحبوب المرغوب فيه لأنه يرغب في تحققه ووقوعه في نفس الأمر . وسأل أن يكون من المستحقين الجنة خالدا فاستعير اسم الورثة إلى أهل الاستحقاق لأن الوارث ينتقل إليه ملك الشيء الموروث بمجرد موت الملك السابق . ولما لم يكن للجنة مالكون تعين أن يكون الوارثون المستحقين من وقت تبوؤ أهل الجنة الجنة قال تعالى ( أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون ) .
وسأل المغفرة لأبيه قبل سؤال أن لا يخزيه الله يوم القيامة لأنه أراد أن لا يلحقه يومئذ شيء ينكسر منه خاطره وقد اجتهد في العمل المبلغ لذلك واستعان الله على ذلك وما بقيت له حزازة إلا حزازة كفر أبيه فسأل المغفرة له لأنه إذا جيء بأبيه مع الضالين لحقه انكسار ولو كان قد استجيب له بقية دعواته فكان هذا آخر شيء تخوف منه لحاق مهانة نفسية من جهة أصله لا من جهة ذاته . و في الحديث أنه يؤتي بأبي إبراهيم يوم القيامة في صورة ذيح ( أي ضبع ذكر ) فيلقى في النار فلا يشعر به أهل الموقف فذلك إجابة قوله ( ولا تخزني يوم يبعثون ) أي قطعا لما فيه شائبة الخزي .
وتقدم الكلام على معنى الخزي عند تفسير قوله تعالى ( إلا خزي في الحياة الدنيا ) في سورة البقرة وقوله ( إنك من تدخل النار فقد أخزيته ) في آل عمران .
وضمير ( يبعثون ) راجع إلى العباد المعلوم من المقام .
A E وجملة ( إنه كان من الضالين ) تعليل لطلب المغفرة لأبيه فيه إيماء إلى أنه سأل له مغفرة خاصة وهي مغفرة أكبر الذنوب أعني الإشراك بالله وهو سؤال اقتضاه مقام الخلة وقد كان أبوه حيا حينئذ لقوله في الآية الأخرى ( قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا ) . ولعل إبراهيم علم من حال أبيه أنه لا يرجى إيمانه بما جاء به ابنه ؛ أو أن الله أوحى إليه بذلك ما ترشد إليه آية ( وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه ) . ويجوز أنه لم يتقرر في شرع إبراهيم حينئذ حرمان المشركين من المغفرة فيكون ذلك من معنى قوله تعالى ( فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه ) . ويجوز أن يكون طلب الغفران له كناية عن سبب الغفران وهو هدايته إلى الإيمان .
و ( يوم لا ينفع مال ) الخ يظهر أنه من كلام إبراهيم عليه السلام فيكون ( يوم لا ينفع ) بجلا من ( يوم يبعثون ) قصد به إظهار أن الالتجاء في ذلك اليوم إلى الله وحده ولا عون فيه بما اعتاده الناس في الدنيا من أسباب الدفع عن أنفسهم .
واستظهر ابن عطية : أن الآيات التي أولها ( يوم لا ينفع مال ولا بنون ) يريد إلى قوله ( فنكون من المؤمنين ) منقطعة عن كلام إبراهيم عليه السلام وهي إخبار من الله تعالى صفة لليوم الذي وقف إبراهيم عنده في دعائه أن لا يخزى فيه اه . وهو استظهار رشيق فيكون ( يوم لا ينفع مال ) استئنافا خبرا لمبتدأ محذوف تقديره : هو يوم لا ينفع مال ولا بنون . وفتحة ( يوم ) فتحة بناء لأن ( يوم ) ظرف أضيف إلى فعل معرب فيجوز إعرابه ويجوز بناؤه على الفتح فهو كقوله تعالى ( هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم ) . ويظهر على هذا الوجه أن يكون المراد ب ( من أتى الله بقلب سليم ) الإشارة إلى إبراهيم عليه السلام لأن الله تعالى وصفه بمثل هذا في سورة الصافات في قوله ( وإن من شيعته ( أي شيعة نوح ) لإبراهيم إذ جاء ربه بقلب سليم )