وجملة ( سيهدين ) مستأنفة أو حال من ( ربي ) . ولا يضر وجود حرف الاستقبال لأن الحال مقدرة كما في قوله تعالى حكاية عن إبراهيم ( قال إني ذاهب إلى ربي سيهدين ) . والمعنى : أنه سيبين لي سبيل سلامتنا من فرعون وجنده . واقتصر موسى على نفسه في قوله ( إن معي ربي سيهدين ) لأنهم لم يكونوا عالمين بما ضمن الله له من معية العناية فإذا علموا ذلك علموا أن هدايته تنفعهم لأنه قائدهم والمرسل لفائدتهم . ووجه اقتصاره على نفسه أيضا أن طريق نجاتهم بعد أن أدركهم فرعون وجنده لا يحصل إلا بفعل يقطع دابر العدو وهذا الفعل خارق للعادة فلا يقع إلا على يد الرسول . وهذا وجه اختلاف المعية بين ما في هذه الآية وبين ما في قوله تعالى في قصة الغار ( إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا ) لأن تلك معية حفظهما كليهما بصرف أعين الأعداء عنهما وقد أمره الله أن يضرب بعصاه البحر وانفلق البحر طرقا مرت منها أسباط بني إسرائيل واقتحم فرعون البحر فمد البحر عليهم حين توسطوه فغرق جميعهم .
والفرق بكسر الفاء وسكون الراء : الجزء المفروق منه وهو بمعنى مفعول مثل الفلق . والطود : الجبل .
و ( أزلفنا ) قربنا وأدنينا مشتق من الزلف بالتحريك وهو القرب . والظاهر أن فعله كفرح . ويقال : ازدلف : اقترب وتزلف : تقرب فهمزة ( أزلفنا ) للتعدية . والمعنى أن الله جرأهم حتى أرادوا اقتحام طرق البحر كما رأوا فعل بني إسرائيل يظنون أنه ماء غير عميق .
والآخرون : هم قوم فرعون لوقوعه في مقابلة فريق بني إسرائيل .
( إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين [ 67 ] وإن ربك لهو العزيز الرحيم [ 68 ] ) .
تقدم القول في نظيره آنفا قبل قصة موسى وكانت هذه القصة آية لأنها دالة على أن ذلك الانقلاب العظيم في أحوال الفريقين الخارج عن معتاد تقلبات الدول والأمم دليل على أنه تصرف إلهي خاص أيد به رسوله وأمته وجدد به شوكة أعدائهم ومن كفروا به فهو آية على عواقب تكذيب رسل الله مع ما تتضمنه القصة من دلائل التوحيد .
ووجه تذييل كل استدلال من دلائل الوحدانية وصدق الرسل في هذه السورة بجملة ( إن في ذلك لآية ) إلى آخرها تقدم في طالعة هذه السورة .
A E ( واتل عليهم نبأ إبراهيم [ 69 ] إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون [ 70 ] قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين [ 71 ] قال هل يسمعونكم إذ تدعون [ 72 ] أو ينفعونكم أو يضرون [ 73 ] قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون [ 74 ] قال أفرايتم ما كنتم تعبدون [ 75 ] أنتم وآباؤكم الأقدمون [ 76 ] فإنهم عدو لي إلا رب العلمين [ 77 ] ) .
عقبت قصة موسى مع فرعون وقومه بقصة إبراهيم . وقدمت هنا على قصة نوح على خلاف المعتاد في ترتيب قصصهم في القرآن لشدة الشبه بين قوم إبراهيم وبين مشركي العرب في عبادة الأصنام التي لا تسمع ولا تبصر . وفي تمسكهم بضلال آبائهم وأن إبراهيم دعاهم إلى الاستدلال على انحطاط الأصنام عن مرتبة استحقاق العبادة ليكون إيمان الناس مستندا لدليل الفطرة وفي أن قوم إبراهيم لم يسلط عليهم من عذاب الدنيا مثل ما سلط على قوم نوح وعلى عاد وثمود وقوم لوط وأهل مدين فأشبهوا قريشا في إمهالهم .
فرسالة محمد وإبراهيم صلى الله عليهما قائمتان على دعامة الفطرة في العقل والعمل أي في الاعتقاد والتشريع فإن الله ما جعل في خلق الإنسان هذه الفطرة ليضيعها ويهملها بل ليقيمها ويعملها . فلما ضرب الله المثل للمشركين لإبطال زعمهم أنهم لا يؤمنون حتى تأتيهم الآيات كما أوتي موسى فإن آيات موسى وهي أكثر آيات الرسل السابقين لم تقض شيئا في إيمان فرعون وقومه لما كان خلقهم المكابرة والعناد أعقب ذلك بضرب المثل بدعوة إبراهيم المماثلة لدعوة محمد A في النداء على إعمال دليل النظر . وضمير ( عليهم ) عائد إلى معلوم من السياق كما تقدم في قوله أول السورة ( أن لا يكونوا مؤمنين ) .
والتلاوة : القراءة . وتقدم في قوله ( ما تتلو الشياطين ) في البقرة