و ( أن لا يكونوا ) في موضع نصب على نزع الخافض بعد ( أن ) والخافض لام التعليل والتقدير : لأن لا يكونوا مؤمنين أي لانتفاء إيمانهم في المستقبل لأن ( أن ) تخلص المضارع للاستقبال . والمعنى : أن غمك من عدم إيمانهم فيما مضى يوشك أن يوقعك في الهلاك في المستقبل بتكرر الغم والحزن كقول إخوة يوسف لأبيهم لما قال ( يا أسفى على يوسف ) فقالوا ( تالله تفتؤ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين ) ؛ فوزان هذا المعنى وزان معنى قوله في سورة الكهف ( فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ) فإن ( أن ) الشرطية تتعلق بالمستقبل . ويجوز أن يجعل ( أن لا يكونوا ) في موضع الفاعل ل ( باخع ) والجملة خبر ( لعل ) . وإسناد ( باخع ) إلى ( أن لا يكونوا مؤمنين ) مجاز عقلي لأن عدم إيمانهم جعل سبيل للبخع .
وجيء بمضارع الكون للإشارة إلى أنه لا يأسف على عدم إيمانهم ولو استمر ذلك في المستقبل فيكون انتفاؤه فيما مضى أولى بأن لا يؤسف له .
وحذف متعلق ( مؤمنين ) إما لأن المراد مؤمنين بما جئت به من التوحيد والبعث وتصديق القرآن وتصديق الرسول وإما لأنه أريد بمؤمنين المعنى اللقبي أي أن لا يكونوا في عداد الفريق المعروف بالمؤمنين وهم أمة الإسلام . وضمير ( أن لا يكونوا ) عائد إلى معلوم من المقام وهم المشركون الذي دعاهم النبي A .
وعدل عن : أن لا يؤمنوا إلى ( أن لا يكونوا مؤمنين ) لأن في فعل الكون دلالة على الاستمرار زيادة على ما أفادته صيغة المضارع فتأكد استمرار عدم إيمانهم الذي هو مورد الإقلاع عن الحزن له . وقد جاء في سورة الكهف ( فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث ) بحرف نفي الماضي وهو ( لم ) لأن سورة الكهف متأخرة النزول عن سورة الشعراء فعدم إيمانهم قد تقرر حينئذ وبلغ حد المأيوس منه .
وضمير ( يكونوا ) عائد إلى معلوم من مقام التحدي الحاصل بقوله ( طسم تلك آيات الكتاب المبين ) للعلم بأن المتحدين هم الكافرون المكذبون .
( إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين [ 4 ] ) .
استئناف بياني ناشئ عن قوله ( أن لا يكونوا مؤمنين ) لأن التسلية على عدم إيمانهم تثير في النفس سؤالا عن إمهالهم دون عقوبة ليؤمنوا كما قال موسى ( ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم ) فأجيب بأن الله قادر على ذلك فهذا الاستئناف اعتراض بين الجملتين المعطوفة إحداهما على الأخرى .
ومفعول ( نشأ ) محذوف يدل عليه جواب الشرط على الطريقة الغالبة في حذف مفعول المشيئة . والتقدير : إن نشأ تنزيل آية ملجئة ننزلها .
وجيء بحرف ( إن ) الذي الغالب فيه أن يشعر بعدم الجزم بوقوع الشرط للإشعار بأن ذلك لا يشاؤه الله لحكمة اقتضيت أن لا يشاءه .
ومعنى انتفاء هذه المشيئة أن الحكمة الإلهية اقتضت أن يحصل الإيمان عن نظر واختيار لأن ذلك أجدى لانتشار سمعة الإسلام في مبدأ ظهوره فالمراد بالآية العلامة التي تدل على تهديدهم بالإهلاك تهديدا محسوسا بأن تظهر لهم بوارق تنذر باقتراب عذاب . وهذا من معنى قوله تعالى ( وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية ) وليس المراد آيات القرآن وذلك أنهم لم يقتنعوا بآيات القرآن .
وجعل تنزيل الآية من السماء حينئذ أوضح وأشد تخويفا لقلة العهد بأمثالها ولتوقع كل من تحت السماء أن تصيبه . فإن قلت : لماذا لم يرهم آية كما أرى بنو إسرائيل نتق الجبل فوقهم كأنه ظلة ؟ قلت : كان بنو إسرائيل مؤمنين بموسى وما جاء به فلم يكن إظهار الآيات لهم لإلجائهم على الإيمان ولكنه كان لزيادة تثبيتهم كما قال إبراهيم ( أرني كيف تحيي الموتى ) .
وفرع على تنزيل الآية ما هو في معنى الصفة لها وهو جملة ( فظلت أعناقهم لها خاضعين ) بفاء التعقيب .
A E