يأتي في تفسيره من التأويلات ما سبق ذكره في جميع الحروف المقطعة في أوائل السور في معان متماثلة . وأظهر تلك المعاني أن المقصود التعريض بإلهاب نفوس المنكرين لمعارضة بعض سور القرآن بالإتيان بمثله في بلاغته وفصاحته وتحديهم بذلك والتورك عليهم بعجزهم عن ذلك .
وعن ابن عباس : أن طسم قسم وهو اسم من أسماء الله تعالى والمقسم عليه قوله ( إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية ) . فقال القرظي : أقسم الله بطوله وسنائه وملكه . وقيل الحروف مقتضبة من أسماء الله تعالى ذي الطول القدوس الملك . وقد علمت في أول سورة البقرة أنها حروف للتهجي واستقصاء في التحدي يعجزهم عن معرضة القرآن وعليه تظهر مناسبة تعقيبه بآياته ( تلك آيات الكتاب المبين ) .
والجمهور قرأوا ( طسم ) كلمة واحدة وأدغموا النون من سين في الميم وقرأ حمزة بإظهار النون . وقرأ أبو جعفر حروفا مفككة وقالوا وكذلك هي مرسومة في مصحف ابن مسعود حروفا مفككة ( ط س م ) .
والقول في عدم مد اسم ( طا ) مع إن أصله مهموز الآخرة لأنه لما كان قد عرض له سكون السكت حذفته همزته كما تحذف للوقوف كما في عدم مد ( را ) في آلر في سورة يونس .
( تلك آيات الكتب المبين [ 2 ] ) .
الإشارة إلى الحاضر في الأذهان من آيات القرآن المنزل من قبل وبينه الإخبار عن اسم الإشارة بأنها آيات الكتاب .
ومعنى الإشارة إلى آيات القرآن قصد التحدي بأجزائه تفصيلا كما قصد التحدي بجميعه إجمالا . والمعنى : هذه آيات القرآن تقرأ عليكم وهي بلغتكم وحروف هجائها فأتوا بسورة من مثلها ودونكموها . والكاف المتصلة باسم الإشارة للخطاب وهو خطاب لغير معين من كل متأهل لهذا التحدي من بلغائهم .
و ( المبين ) الظاهر وهو من أبان مرادف بان أي تلك آيات الكتاب الواضح كونه من عند الله لما فيه من المعاني العظيمة والنظم المعجز وإذا كان الكتاب مبينا كانت آياته المشتمل عليها آيان مبينة على صدق الرسل بها .
ويجوز أن يكون ( المبين ) من أبان المتعدي أي الذي يبين ما فيه من معاني الهدى والحق وهذا من استعمال اللفظ في معنييه كالمشترك .
والمعنى : أن ما بلغكم وتلي عليكم هو آيات القرآن المبين أي البين صدقه ودلالته على صدق ما جاء به ما لا يجحده إلا مكابر .
( لعلك بخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين [ 3 ] ) .
حول الخطاب من توجيهه إلى المعاندين إلى توجيهه للرسول E . والكلام استئناف بياني جوابا عما يثيره مضمون قوله ( تلك آيات الكتاب المبين ) من تساؤل النبي A في نفسه عن استمرار إعراض المشركين عن الإيمان وتصديق القرآن كما قال تعالى ( فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ) وقوله ( فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ) .
و ( لعل ) إذا جاءت في ترجي الشيء المخوف سميت إشفاقا وتوقعا . وأظهر الأقوال أن الترجي من قبيل الخبر وأنه ليس بإنشاء مثل التمني .
والترجي مستعمل في الطلب . والأظهر أنه حث على ترك الأسف من ضلالهم على طريقة تمثيل شأن المتكلم الحاث على الإقلاع بحال من يستقرب حصول هلاك المخاطب إذا استمر على ما هو فيه من الغم .
والباخع : القاتل . وحقيقة البخع إعماق الذبح . يقال : بخع الشاة قال الزمخشري : إذا بلغ السكن البخاع بالموحدة المكسورة وهو عرق مستبطن الفقار كذا قال في الكشاف هنا وذكره أيضا في الفائق . وقد تقدم ما فيه عند قوله تعالى ( فلعلك باخع نفسك على آثارهم ) في سورة الكهف . وهو هنا مستعار للموت السريع والإخبار عنه ب ( باخع ) تشبيه بليغ . وفي ( باخع ) ضمير المخاطب هو الفاعل .
A E