وهي مكية فقيل جميعها مكي وهو المروي عن ابن الزبير . ورواية عن ابن عباس ونسبه ابن عطية إلى الجمهور . وروي عن ابن عباس أن قوله تعالى ( والشعراء يتبعهم الغاوون ) إلى آخر السورة نزل بالمدينة لذكر شعراء رسول الله A حسان بن ثابت وابن رواحة وكعب بن مالك وهم المعني بقوله ( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) الآية . ولعل هذه الآية هي التي أقدمت هؤلاء على القول بأن تلك الآيات مدنية . وعن الداني قال : نزلت ( والشعراء يتبعهم الغاوون ) في شاعرين تهاجيا في الجاهلية .
وأقول : كان شعراء بمكة يهجون النبي A منهم النضر بن الحارث والعوراء بنت حرب زوج أبي لهب ونحوهما وهم المراد بآيات ( والشعراء يتبعهم الغاوون ) . وكان شعراء المدينة قد أسلموا قبل الهجرة وكان في مكة شعراء مسلمون من الذين هاجروا إلى الحبشة كما سيأتي .
وعن مقاتل : أن قوله تعالى ( أو لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل ) نزل بالمدينة . وكان الذي دعاه إلى ذلك أن مخالطة علماء بني إسرائيل كانت بعد الهجرة . ولا يخفى أن الحجة لا تتوقف على وقوع مخالطة علماء بني إسرائيل ؛ فقد ذكر القرآن مثل هذه الحجة في آيات نزلت بمكة من ذلك قوله ( قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب ) في سورة الرعد وهي مكية وقوله ( الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون ) في سورة القصص وهي مكية وقوله ( وكذلك أنزلنا إليك الكتاب فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به ) في سورة العنكبوت وهي مكية . وشأن علماء بني إسرائيل مشهور بمكة وكان لأهل مكة صلات مع اليهود بالمدينة ومراجعة بينهم في شأن بعثة محمد A كما تقدم عند قوله تعالى ( ويسألونك عن الروح ) في سورة الإسراء ولذا فالذي نوقن به أن السورة كلها مكية .
وهي السورة السابعة والأربعون في عداد نزول السور نزلت بعد سورة الواقعة وقبل سورة النمل . وسيأتي في تفسير قوله تعالى ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) ما يقتضي أن تلك الآية نزلت قبل نزول سورة أبي لهب وتعرضنا لإمكان الجمع بين الأقوال .
وقد جعل أهل المدينة وأهل مكة وأهل البصرة عدد آيها مائتين وستا وعشرين وجعله أهل الشام وأهل الكوفة مائتين وسبعا وعشرين .
الأغراض التي اشتملت عليها .
أولها التنويه بالقرآن والتعريض بعجزهم عن معارضته وتسلية النبي A على ما يلاقيه من إعراض قومه عن التوحيد الذي دعاهم إليه القرآن .
وفي ضمنه تهديدهم على تعرضهم لغضب الله تعالى وضرب المثل لهم بما حل بالأمم المكذبة رسلها والمعرضة عن آيات الله .
وأحسب أنها نزلت إثر طلب المشركين أن يأتيهم الرسول بخوارق فافتتحت بتسلية النبي A وتثبيت له ورباطة لجأشه بأن ما يلاقيه من قومه هو سنة الرسل من قبله مع أقوامهم مثل موسى وإبراهيم ونوح وهود وصالح ولوط وشعيب ؛ ولذلك ختم كل استدلال جيء به على المشركين المكذبين بتذييل واحد هو قوله ( إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم ) تسجيلا عليهم بأن آيات الوحدانية وصدق الرسل عديدة كافية لمن يتطلب الحق ولكن أكثر المشركين لا يؤمنون وأن الله عزيز قادر على أن ينزل بهم العذاب وأنه رحيم برسله فناصرهم على أعدائهم .
قال في الكشاف : كل قصة من القصص المذكورة في هذه السورة كتنزيل برأسه . وفيها من الاعتبار ما في غيرها فكانت كل واحدة منها تدلي بحق في أن تختم بما اختتمت به صاحبتها ولأن في التكرير تقريرا للمعاني في الأنفس وكلما زاد ترديده كان أمكن له في القلب وأرسخ في الفهم وأبعد من النسيان ولأن هذه القصص طرقت بها إذان وقرت عن الإنصات للحق فكوثرت بالوعظ والتذكير وروجعت بالترديد والتكرير لعل ذلك يفتح أذنا أو يفتق ذهنا اه .
A E ثم التنويه بالقرآن وشهادة أهل الكتاب له والرد على مطاعنهم في القرآن وجعله عضين وأنه منزه عن أن يكون شعرا ومن أقوال الشياطين وأمر الرسول A بإنذار عشيرته وأن الرسول ما عليه إلا البلاغ وما تخلل ذلك من دلائل .
( طسم [ 1 ] )