وقرأ الجمهور ( وذرياتنا ) جمع ذرية والجمع على الطوائف من الذين يدعون بذلك وإلا فقد يكون لأحد الداعين ولد واحد . وقرأه أبو عمرو وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم ويعقوب وخلف و ( ذريتنا ) بدون ألف بعد التحتية ويستفاد معنى الجمع من الإضافة إلى ضمير ( الذين يقولون ) أي ذرية كل واحد .
والأعين : هي أعين الداعين أي قرة أعين لنا . وإذ قد كان الدعاء صادرا منهم جميعا اقتضى ذلك أنهم يريدون قرة أعين جميعهم .
وكما سألوا التوفيق والخير لأزواجهم وذرياتهم سألوا لأنفسهم بعد أن وفقهم الله إلى الإيمان أن يجعلهم قدوة يقتدي بها المتقون . وهذا يقتضي أنهم يسألون لأنفسهم بلوغ الدرجات العظيمة من التقوى فإن القدوة يجب أن يكون بالغا أقصى غاية العمل الذي يرغب المهتمون به الكمال فيه . وهذا يقتضي أيضا أنهم يسألون أن يكونوا دعاة للدخول في الإسلام وأن يهتدي الناس إليه بواستطهم .
والإمام أصله : المثال والقالب الذي يصنع على شكله مصنوع من مثله قال النابغة : .
أبوه قبله وأبو أبيه ... بنوا مجد الحياة إلى إمام A E وأطلق الإمام على القدوة تشبيها بالمثال والقالب وغلب ذلك فصار الإمام بمعنى القدوة . وقد تقدم في قوله تعالى ( قال إني جاعلك للناس إماما ) في سورة البقرة . ووقع الإخبار ب ( إماما ) وهو مفرد على ضمير جماعة المتكلمين لأن المقصود أن يكون كل واحد منهم إماما يقتدى به فالكلام على التوزيع أو أريد من إمام معناه الحقيقي وجرى الكلام على التشبيه البليغ وقيل إمام جمع مثل هجان وصيام ومفرده : إم .
( أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما [ 75 ] خالدين فيها حسنت مستقرا ومقاما [ 76 ] ) التصدير باسم الإشارة للتنبيه على أن ما يرد بعده كانوا أحرياء به لأجل ما ذكر قبل اسم الإشارة . وتلك مجموع إحدى عشرة خصلة وهي : التواضع والحلم والتهجد والخوف وترك الإسراف وترك الإقتار والتنزه عن الشرك وترك الزنا وترك قتل النفس والتوبة وترك الكذب والعفو عن المسيء وقبول دعوة الحق وإظهار الاحتياج إلى الله بالدعاء . واسم الإشارة هو الخبر عن قوله ( وعباد الرحمن ) كما تقدم على ارجح الوجهين .
والغرفة : البيت المعتلي يصعد إليه بدرج وهو أعز منزلا من البيت الأرضي والتعريف في الغرفة تعريف الجنس فيستوي فيه المفرد والجمع مثل قوله تعالى ( وأنزلنا معهم الكتاب ) فالمعنى : يجزون الغرف أي من الجنة قال تعالى ( وهم في الغرفات آمنون ) والباء للسببية و ( ما ) مصدرية في قوله ( بما صبروا ) أي بصبرهم وهو صبرهم على ما لقوا من المشركين من أذى وصبرهم على كبح شهواتهم لأجل إقامة شرائع الإسلام وصبرهم على مشقة الطاعات .
وقرأ الجمهور ( ويلقون ) بضم الياء وفتح اللام وتشديد القاف المفتوحة مضارع لقاه إذا جعله لاقيا . وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم وخلف ( ويلقون ) بفتح الياء وسكون اللام وتخفيف القاف المفتوحة مضارع لقي . واللقي واللقاء : استقبال شيء ومصادفته وتقدم في قوله تعالى ( واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه ) في سورة البقرة وفي قوله ( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا ) في سورة الأنفال وتقدم قريبا قوله تعالى ( ومن يفعل ذلك يلق أثاما ) .
وقد استعير اللقي لسماع التحية والسلام أي أنهم يسمعون ذلك في الجنة من غير أن يدخلوا على بأس أو يدخل عليهم بأس بل هم مصادفون تحية إكرام وثناء مثل تحيات العظماء والملوك التي يرتلها الشعراء المنشدون .
ويجوز أن يكون إطلاق اللقي إسماع ألفاظ التحية والسلام لأجل الإيماء إلى أنهم يسمعون التحية من الملائكة يلقونهم بها فهو مجاز بالحذف قال تعالى ( وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون ) في سورة الأنبياء .
وقوله ( حسنت مستقرا ومقاما ) هو ضد مقيل في المشركين ( إنها ساءت مستقرا ومقاما ) . والتحية تقدمت في قوله ( وإذا حيتم بتحية ) في سورة النساء وفي قوله ( وتحيتهم فيها سلام ) في سورة يونس وقوله ( تحية من عند الله مباركة طيبة ) في آخر النور .
( قل ما يعبؤا بكم ربي لولا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاما [ 77 ] )