ويجوز أن يكون توجه النفي إلى القيد كما هو استعمال غالب وهو مختار صاحب الكشاف فالمعنى : لم يخرو عليها في حالة كالصمم والعمى ولكنهم يخرون عليها سامعين مبصرين فيكون الخرور مستعارا للحرص على العمل بشراشر القلب كما يقال : أكب على كذا أي صرف جهده فيه فيكون التعريض بالمشركين في أنهم يصمون ويعمون عن الآيات ومع ذلك يخرون على تلقيها تظاهرا منهم بالحرص على ذلك . وهذا الوجه ضعيف لأنه إنما يليق لو كان المعرض بهم منافقين وكيف والسورة مكية فأما المشركون فكانوا يعرضون عن تلقي الدعوة علنا قال تعالى ( وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون ) وقال ( وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب ) ( والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذريتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما [ 74 ] ) A E هذه صفة ثالثة للمؤمنين بأنهم يعنون بانتشار الإسلام وتكثير أتباعه فيدعون الله أن يرزقهم أزواجا وذريات تقر بهم أعينهم فالأزواج يطعنهم باتباع الإسلام وشرائعه ؛ فقد كان بعض أزواج المسلمين مخالفات أزواجهم في الدين والذريات إذا نشأوا نشأوا مؤمنين وقد جمع ذلك لهم في صفة ( قرة أعين ) . فإنها جامعة للكمال في الدين واستقامة الأحوال في الحياة إذ لا تقر عيون المؤمنين إلا بأزواج وأبناء مؤمنين وقد نهى الله المسلمين عن إبقاء النساء الكوافر في العصمة بقوله ( ولا تمسكوا بعصم الكوافر ) وقال ( والذي قال لوالديه أف لكما أتعداني أن أخرج ) الآية . فمن أجل ذلك جعل دعاؤهم هذا من أسباب جزائهم بالجنة وإن كان فيها حظ لنفوسهم بقرة أعينهم إذ لا يناكد حظ النفس حظ الدين في أعمالهم كما في قول عبد الله بن رواحة وهو خارج إلى غزوة مؤتة فدعا له المسلمون ولمن معه أن يردهم الله سالمين فقال : .
لكنني أسأل الرحمن مغفرة ... وضربة ذات فرغ تقذف الزبدا .
أو طعنة بيدي حران مجهزة ... بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا .
حتى يقولوا إذا مروا على جدثي ... أرشدك الله من غاز وقد رشدا فإن في قوله : حتى يقولوا حظا لنفسه من حسن الذكر وان كان فيه دعاء له بالرشد وهو حظ ديني أيضا وقوله : وقد رشد حسن ذكر محض . في كتاب الجامع من جامع العتبية من أحاديث ابن وهب قال : رأيت رجلا يسأل ربيعة يقول : أني لأحب أن أرى رائحا إلى المسجد فكأنه كره في قوله ولم يعجبه أن يحب أحد أن يرى في شيء من أعمال الخير . وقال ابن رشد في شرحه : وهذا خلاف قول مالك في رسم العقول من سماع أشهب من كتاب الصلاة : إنه ل بأس بذلك إذا كان أوله لله " أي القصد الأول من العمل لله " . وقال ابن رشد في موضع آخر من شرحه قال الله تعالى ( وألقيت عليك محبة مني ) وقال ( واجعل لي لسان صدق في الآخرين ) . وقال الشاطبي في الموافقات : " عد مالك ذلك من قبيل الوسوسة أي أن الشيطان باقي للإنسان إذا سره مرأى الناس له على الخير فيقول : إنك لمراء . وليس كذلك إنما هو أمر يقع في قبله لا يملك " اه .
وفي المعيار عن كتاب سراج المريدين لأبي بكر بن العربي قال : سألت شيخنا أبا منصور الشيرازي الصوفي عن قوله تعالى ( إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا ) ما بينوا ؟ قال : أظهروا أفعالهم للناس بالصلاح والطاعات .
قال الشاطبي : وهذا الموضع محل اختلاف إذا كان القصد المذكور تابعا لقصد العبادة . وقد التزم الغزالي فيها وفي أشباهها أنها خارجة عن الإخلاص لكن بشرط يصير العمل أخف عليه بسبب هذه الأغراض . وأما ابن العربي فذهب إلى خلاف ذلك وكأن مجال النظر يلفت إلى انفكاك القصدين على أن القول بصحة الانفكاك فيما يصح فيه الانفكاك أوجه لما جاء في الأدلة على ذلك إلى آخره .
و ( من ) في قوله ( من أزواجنا ) للابتداء أي اجعل لنا قرة أعين تنشأ من أزواجنا وذرياتنا