واللغو : الكلام العبث والسفه الذي لا خير فيه . وتقدم في قوله تعالى ( لا يسمعون فيها لغوا ) في سورة مريم . ومعنى المرور به المرور بأصحابه اللاغين في حال لغوهم فجعل المرور بنفس اللغو للإشارة إلى أن أصحاب اللغو متلبسون به وقت المرور .
ومعنى ( مروا كراما ) أنهم يمرون وهم في حال كرامة أي غير متلبسين بالمشاركة في اللغو فيه فإن السفهاء إذا مروا بأصحاب اللغو أنسوا بهم ووقفوا عليهم وشاركوهم في لغوهم فإذا فعلوا ذلك كانوا في غير حال كرامة .
A E والكرامة : النزاهة ومحاسن الخلال وضدها اللؤم والسفالة . وأصل الكرامة أنها نفاسة الشيء في نوعه قال تعالى ( وأنبتنا فيها من كل زوج كريم ) . وقال بعض شعراء حمير في الحماسة : .
ولا يخيم اللقاء فارسهم ... حتى يشق الصفوف من كرمه أي شجاعته وقال تعالى ( وأعد لهم أجرا كريما ) .
وإذا مر أهل المروءة على أصحاب اللغو تنزهوا عن مشاركتهم وتجاوزوا ناديهم فكانوا في حال كرامة وهذا ثناء على المؤمنين بترفعهم على ما كانوا عليه في الجاهلية كقوله تعالى ( وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا ) وقوله ( وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين ) .
وإعادة فعل ( مروا ) لبناء الحال عليه وذلك من محاسن الاستعمال كقول الأحوص : .
فإذا تزول تزول عن متخمط ... تخشى بوادره على الأقران ومنه قوله تعالى ( ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا ) كما ذكره ابن جني في شرح مشكل أبيات الحماسة وقد تقدم عند قوله تعالى ( صراط الذين أنعمت عليهم ) .
( والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا [ 73 ] ) أريد تمييز المؤمنين بمخالفة حالة هي من حالات المشركين وتلك هي حالة سماعهم دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم وما تشتمل عليه من آيات القرآن وطلب النظر في دلائل الوحدانية فلذلك جيء بالصلة لتحصيل الثناء عليهم مع التعريض بتفظيع حال المشركين فإن المشركين إذا ذكروا بآيات الله خروا صما وعميانا كحال من لا يحب أن يرى شيئا فيجعل وجهه على الأرض فاستعير الخرور لشدة الكراهية والتباعد بحيث أن حالهم عند سماع القرآن كحال الذي يخر إلى الأرض لئلا يرى ما يكره بحيث لم يبق له شيء من التقوم والنهوض فتلك حالة هي غاية في نفي إمكان القبول .
ومنه استعارة القعود للتخلف عن القتال وفي عكس ذلك يستعار الإقبال والتلقي والقيام للاهتمام بالأمر والعناية به .
ويجوز أن يكون الخرور واقعا منهم أو من بعضهم حقيقة لأنهم يكونون جلوسا في مجتمعاتهم ونواديهم فإذا دعاهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام طأطأوا رؤوسهم وقربوها من الأرض لأن ذلك للقاعد يقوم مقام الفرار أو ستر الوجه كقول أعرابي يهجوا قوما من طيء أنشده المبرد : .
إذا ما قيل أيهم لأي ... تشابهت المناكب والرؤوس وقريب من هذا المعنى قوله تعالى في سورة نوح ( واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا ) . وتقدم الخرور الحقيقي في قوله تعالى ( يخرون للأذقان سجدا ) في سورة الإسراء وقوله ( فخر عليهم السقف من فوقهم ) وقوله ( وخر موسى صعقا ) في سورة الأعراف .
و ( صما وعميانا ) حالان ن ضمير ( يخر ) مراد بهما التشبيه بحذف حرف التشبيه أي يخرون كالصم والعميان في عدم الانتفاع بالمسموع من الآيات والمبصر منها مما يذكرون به . فالنفي على هذا منصب إلى الفعل وإلا قيده وهو استعمال كثير في الكلام . وهذا الوجه أوجه