والتبديل : جعل شيء بدلا عن شيء آخر وتقدم عند قوله تعالى ( ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة ) في سورة الأعراف أي يجعل الله لهم حسنات كثيرة عوضا عن تلك السيئات التي اقترفوها قبل التوبة وهذا التبديل جاء مجملا وهو تبديل يكون له أثر في الآخرة بأن يعوضهم عن جزاء السيئات ثواب حسنات أضداد تلك السيئات وهذا الفضل الإيمان بالنسبة للشرك ولفضل التوبة بالنسبة للآثام الصادرة من المسلمين .
A E وبه يظهر موقع اسم الإشارة في قوله ( فأولئك ) المفيد التنبيه على أنهم أحرياء بما أخبر عنهم به بعد اسم الإشارة لأجل ما ذكر من الأوصاف قبل اسم الإشارة أي فأولئك التائبون المؤمنون العاملون الصالحات في الإيمان يبدل الله عقاب سيئاتهم التي اقترفوها من الشرك والقتل والزنا بثواب . ولم تتعرض الآية لمقدار الثواب وهو موكول إلى فضل الله ولذلك عقب هذا بقوله ( وكان الله غفورا رحيما ) المقتضي أنه عظيم المغفرة .
( ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا [ 71 ] ) إذا وقع الإخبار 'ن شيء أو توصيف له أو حالة منه بمرادف لما سبق مثله في المعنى دون زيادة تعين أن يكون الخبر الثاني مستعملا في شيء من لوازم معنى الإخبار يبينه المقام كقول أبي الطمحان لقيني : .
" وإني من القوم الذين هم هم وقول أبي النجم : .
" أنا أبو النجم وشعري شعري وقول النبي صلى الله عليه وسلم " من رآني في المنام فقد رآني " . فقوله تعالى هنا ( ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا ) وقع الإخبار عن التائب بأنه تائب إذ المتاب مصدر ميمي بمعنى التوبة فيتعين أن يصرف إلى معنى مفيد فيجوز أن يكون المقصود هو قوله ( إلى الله ) فيكون كناية عن عظيم ثوابه .
ويجوز أن يكون المقصود ما في المضارع من الدلالة على التجدد أي فإنه يستمر على توبته ولا يرتد على عقبيه فيكون وعدا من الله تعالى أن يثبته على القول الثابت إذا كان قد تاب وأيد توبته بالعمل الصالح .
ويجوز أن يكون المقصود ما للمفعول المطلق من معنى التأكيد أي من تاب وعمل صالحا فإن توبته هي التوبة الكاملة الخالصة لله على حد قول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه " فيكون قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا ) . وذكر المفسرون احتمالات أخرى بعيدة .
والتوكيد ب ( إن ) على التقادير كلها لتحقيق مضمون الخبر .
( والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما [ 72 ] ) أتبع خصال المؤمنين الثلاث التي هي قوام الإيمان بخصال أخرى من خصالهم هي من كمال الإيمان والتخلق بفضائله ومجانبة أحوال أهل الشرك . وتلك ثلاث خصال أولاها أفصح عنه قوله هنا ( والذين لا يشهدون الزور ) الآية .
وفعل " شهد " يستعمل بمعنى " حضر " وهو أصل إطلاقه كقوله تعالى ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) ويستعمل بمعنى أخبر عن شيء شهده وعلمه كقوله تعالى ( وشهد شاهد من أهلها ) .
والزور : الباطل من قول أو فعل وقد غلب على الكذب . وقد تقدم في أول السورة فيجوز أن يكون معنى الآية : أنهم لا يحضرون محاضر الباطل التي كان يحضرها المشركون وهي مجالس اللهو والغناء والغيبة ونحوها وكذلك أعياد المشركين وألعابهم فيكون الزور مفعولا به ل ( يشهدون ) . وهذا ثناء على المؤمنين بمقاطعة المشركين وتجنبهم . فأما شهود مواطن عبادة الأصنام فذلك قد دخل في قوله ( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ) . وفي معنى هذه الآية قوله في سورة الأنعام ( وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين ) ويجوز أن يكون فعل ( يشهدون ) بمعنى الإخبار عما علموه ويكون الزور منصوبا على نزع الخافض أي لا يشهدون بالزور ؛ أو مفعولا مطلقا لبيان نوع الشهادة أي لا يشهدون شهادة هي زور لا حق .
وقوله ( وإذا مروا باللغو مروا كراما ) مناسب لكلا الجملتين