والمعنى أنهم يضعون النفقات مواضعها الصالحة كما أمرهم الله فيدوم إنفاقهم وقد رغب الإسلام في العمل الذي يدوم عليه صاحبه وليسير نظام الجماعة على كفاية دون تعريضه للتعطيل فإن الإسراف من شأنه استنفاد المال فلا يدوم الإنفاق وأما الإقتار فمن شأنه إمساك المال فيحرم من يستأهله .
A E وقوله ( بين ذلك ) خبر ( كان ) و ( قواما ) حال مؤكدة لمعنى ( بين ذلك ) . وفيها إشعار بمدح ما بين ذلك بأنه الصواب الذي لا عوج فيه . ويجوز أن يكون ( قواما ) خبر ( كان ) و ( بين ذلك ) ظرفا متعلقا به . وقد جرت الآية على مراعاة الأحوال الغالبة في إنفاق الناس . قال القرطبي : والقوام في كل واحد بحسب عياله وحاله ولهذا ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق يتصدق بجميع ماله ومنع غيره من ذلك .
( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلن النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما [ 68 ] يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا [ 69 ] ) هذا قسم آخر من صفات عباد الرحمن وهو قسم التخلي عن المفاسد التي كانت ملازمة لقومهم من المشركين ؛ فتنزه عباد الرحمن عنها بسبب إيمانهم وذكر هنا تنزههم عن الشرك وقتل النفس والزنا وهذه القبائح الثلاث كانت غالبة على المشركين .
ووصف النفس ب ( التي حرم الله ) بيانا لحرمة النفس التي تقررت من عهد آدم فيما حكى الله من محاورة ولد آدم بقوله ( قال لأقتلنك ) الآيات فتقرر تحريم قتل النفس من أقدم أزمان البشر ولم يجهله أحد من ذرية آدم فذلك معنى وصف النفس بالموصول في قوله ( التي حرم الله ) . وكان قتل النفس متفشيا في العرب بالعداوات والغارات وبالوأد في كثير من القبائل بناتهم وبالقتل لفرط الغيرة كما قال امرؤ القيس : .
تجاوزت أحراسا إليها ومعشرا ... علي حراصا لو يسرون مقتلي وقال عنترة : .
علقتها عرضا وأقتل قومها ... زعما لعمر أبيك ليس بمزعم وقوله ( إلا بالحق ) المراد به يومئذ : قتل قاتل أحدهم وهو تهيئة لمشروعية الجهاد عقب مدة نزول هذه السورة . ولم يكن بيد المسلمين يومئذ سلطان لإقامة القصاص والحدود . ومضى الكلام على الزنى في سورة سبحان .
وقد جمع التخلي عن هذه الجرائم الثلاث في صلة موصول واحد ولم يكرر اسم الموصول كما كرر في ذكر خصال تحليهم للإشارة إلى أنهم لما أقلعوا عن الشرك ولم يدعوا مع الله إلها آخر فقد أقلعوا عن أشد القبائح لصوقا بالشرك وذلك قتل النفس والزنى . فجل ذلك شبيه خصلة واحدة وجعل في صلة موصول واحد .
وقد يكون تكرير ( لا ) مجزئا عن إعادة اسم الموصول وكافيا في الدلالة على أن كل خصلة من هذه الخصال موجبة لمضاعفة العذاب ويؤيده ما في صحيح مسلم من حديث عبد الله ابن مسعود قال : قتل يا رسول الله أي الذنب أكبر ؟ : قال أن تدعو لله ندا وهو خلقك . قلت : ثم أي ؟ قال : أن تقتل ولدك خيفة أن يطعم معك . قلت ثم أي ؟ قال : أن تزاني حليلة جارك . فأنزل الله تعالى تصديقا ( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ) وإلى ( أثاما ) وفي رواية ابن عطية ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية .
وقد علمت أن هذه الآيات الثلاث إلى قوله ( غفورا رحيما ) قيل نزلت بالمدينة .
والإشارة ب ( ذلك ) إلى ما ذكر من الكبائر على تأويله بالمذكور كما تقدم في نظيره آنفا والمتبادر من الإشارة أنها إلى المجموع أي من يفعل مجموع الثلاث ويعلم أن جزاء ما يفعل بعضها ويترك بعضا عدا الإشراك دون جزاء من يفعل جميعها وأن البعض أيضا مراتب وليس المراد من يفعل كل واحدة مما ذكر يلق أثاما لأن لقي الآثام بين هنا بمضاعفة العذاب والخلود فيه . وقد نهضت أدلة متظافرة من الكتاب والسنة على أن ما عدا الكفر من المعاصي لا يوجب الخلود مما يقتضي تأويل ظواهر الآية .
ويجوز أن تكون مضاعفة العذاب مستعملة في معنى قوته أي يعذب عذابا شديدا وليست لتكرير عذاب مقدر .
والأثام بفتح الهمزة جزاء الإثم على زنة الوبال والنكال وهو أشد من الإثم أي يجازى على ذلك سوءا لأنها آثام