إلى الملك القرم وابن الهمام ... وليث الكتيبة في المزدحم A E وإعادة الموصول لتأكيد أنهم يعرفون بهذه الصلة والظاهر أن هذه الموصولات وصلاتها كلها أخبار أو أوصاف لعباد الرحمن . روي عن الحسن البصري أنه كان إذا قرأ ( الذين يمشون على الأرض هونا ) قال : هذا وصف نهارهم ثم إذا قرأ ( والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما ) قال : هذا وصف ليلهم .
والقيام : جمع قائم كالصحاب والسجود والقيام ركنا الصلاة فالمعنى : يبتون يصلون فوق إطناب في التعبير عن الصلاة بركنيها تنويها بكليهما . وتقديم ( سجدا ) على ( قياما ) للرعي على الفاصلة مع الإشارة إلى الاهتمام بالسجود وهو ما يبينه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله " أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد " وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيري التهجد كما أثنى الله عليهم بذلك بقوله ( تتجافى جفونهم عن المضاجع ) .
( والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما [ 65 ] إنها ساءت مستقرا ومقاما [ 66 ] ) دعاؤهم هذا أمارة على شدة مخافتهم الذنوب فهم يسعون في مرضاة ربهم لينجوا من العذاب فالمراد بصرف العذاب : إنجاؤهم منه بتيسير العمل الصالح وتوفيره واجتناب السيئات .
وجملة ( إن عذابها كان غراما ) يجوز أن تكون حكاية من كلام القائلين . ويجوز أن تكون من كلام الله تعالى معرضة بين اسمي الموصول وعلى كل فهي تعليل لسؤال صرف عذابها عنهم .
والغرام : الهلاك الملح الدائم وغلب إطلاقه على الشر المستمر .
وجملة ( إنها ساءت مستقرا ومقاما ) يجوز أن تكون حكاية لكلام القائلين فتكون تعليلا ثانيا مؤكدا لتعليلهم الأول وأن تكون من جانب الله تعالى دون التي قبلها فتكون تأيدا لتعليل القائلين . وأن تكون من كلام الله مع التي قبلها فتكون تكريرا للاعتراض .
والمستقر : مكان الاستقرار . والاستقرار : قوة القرار . والمقام : اسم مكان الإقامة أي ساءت موضعا لمن يستقر فيها بدون إقامة مثل عصاة أهل الأديان ولمن يقيم فيها من المكذبين للرسل المبعوثين إليهم .
( والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما [ 67 ] ) أفاد قوله ( إذا أنفقوا ) أن الإنفاق من خصالهم فكأنه قال : والذين ينفقون وإذا أنفقوا الخ . وأريد بالإنفاق هنا الإنفاق غير الواجب وذلك إنفاق المرء على أهل بيته وأصحابه لأن الإنفاق الواجب لا يذم الإسراف فيه والإنفاق الحرام لا يحمد مطلقا بله أن يذم الإقتار فيه على أن في قوله ( إذا أنفقوا ) إشعارا بأنهم اختاروا أن ينفقوا ولم يكن واجبا عليهم .
والإسراف : تجاوز الحد الذي يقتضيه الإنفاق بحسب حال المنفق وحال المنفق عليه . وتقدم معنى الإسراف في قوله تعالى ( ولا تأكلوها إسرافا ) في سورة النساء وقوله ( ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ) في سورة الأنعام .
والإقتار عكسه . وكان أهل الجاهلية يسرفون في النفقة في اللذات ويغلون السباء في الخمر ويتممون الأيسار في الميسر . وأقوالهم في ذلك كثيرة في أشعارهم وهي في معلقة طرفة وفي معلقة لبيد وفي ميمية النابغة ويفتخرون بإتلاف المال ليتحدث العظماء عنهم بذلك قال الشاعر مادحا : .
مفيد ومتلاف إذا ما أتيته ... تهلل واهتز اهتزاز المهند وقرأ نافع وابن عامر وأبو جعفر ( ولم يقتروا ) بضم التحتية وكسر الفوقية من الإقتار وهو مرادف التقتير . وقرأه ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب بفتح التحتية وكسر الفوقية من قتر من باب ضرب وهو لغة . وقرأ عاصم وحمزة والكسائي وخلف بفتح التحتية وضم الفوقية من فعل قتر من باب نصر .
والإقتار والقتر : الإحجاف والنقص مما تسعه الثروة ويقتضيه حال المنفق عليه . وكان أهل الجاهلية يقترون على المساكين والضعفاء لأنهم لا يسمعون ثناء العظماء في ذلك . وقد تقدم ذلك عند قوله ( كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين ) .
والإشارة في قوله ( بين ذلك ) إلى ما تقدم بتأويل المذكور أي الإسراف والإقتار .
والقوام بفتح القاف : العدل والقصد بين الطرفين