فتفيد الآية معنى : لينظر في اختلافهما المتفكر فيعلم أن لابد لانتقالهما من حال إلى حال مؤثر حكيم فيستدل بذلك على توحيد الخالق ويعلم أنه عظيم القدرة فيوقن بأنه لا يستحق غيره الإلهية وليشكر الشاكر على ما في اختلاف الليل والنهار من نعم عظيمة منها ما ذكر في قوله تعالى ( وهو الذي جعل لكم الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشورا ) فيكثر الشاكرون على اختلاف أحوالهم ومناسباتهم وتفيد معنى : ليتدارك الناسي ما فاته في الليل بسبب غلبة النوم أو التعب فيقضيه في النهار أو ما شغله عنه شواغل العمل في النهار فيقضيه بالليل عند التفرغ فلا يرزؤه ذلك ثواب أعماله . روي أن عمر بن الخطاب أطال صلاة الضحى يوما فقيل له : صنعت شيئا لم تكن تصنعه ؟ فقال : إنه بقى علي من وردي شيء فأحببت أن أقضيه وتلا قوله تعالى ( وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة ) الآية . ولمن أراد أن يتقرب إلى الله شكرا له بصلاة أو صيام فيكون الليل أسعد ببعض ذلك والنهار أسعد ببعض فهذا مفاد عظيم في إيجاز بديع .
وجيء في جانب المتذكرين بقوله ( أن يذكر ) لدلالة المضارع على التجدد . واقتصر في جانب الشاكرين على المصدر بقوله ( أو أراد شكورا ) لأن الشكر يحصل دفعة . ولأجل الاختلاف بين النظمين أعيد فعل ( أراد ) إذ لا يلتئم عطف ( شكورا ) على ( أن يذكر ) .
وقرأ الجمهور ( ان يذكر ) بتشديد الذال مفتوحة وأصله : يتذكر فأدغمت التاء في الذال لتقاربهما . وقرأ حمزة وخلف ( أن يذكر ) بسكون الذال وضم الكاف وهو بمعنى المشدد إلا أن المشدد أشد عملا وكلا العملين يستدركان في الليل والنهار .
( وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلما [ 63 ] ) عطف جملة على جملة فالجملة المعطوفة هي ( عباد الرحمان ) الخ فهو مبتدأ وخبره ( الذين يمشون على الأرض هونا ) الخ . وقيل : الخبر ( أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ) . والجملة المعطوف عليها جملة ( وهو الذي جعل لكم الليل والنهار خلفة ) الخ . فبمناسبة ذكر من أراد أن يذكر تخلص إلى خصال المؤمنين أتباع النبي A حتى تستكمل السورة أغراض التنويه بالقرآن ومن جاء به ومن اتبعوه كما أشرنا إليه في الإلمام بأهم أغراضها في طالعة تفسيرها . وهذا من أبدع التخلص إذ كان مفاجئا للسامع مطمعا أنه استطراد عارض كسوابقه حتى يفاجئه ما يؤذن بالختام وهو ( قل ما يعبأ بكم ربي ) الآية .
والمراد ب ( عباد الرحمان ) بادئ ذي بدء أصحاب رسول الله A فالصلات الثمان التي وصفوا بها في هذه الآية حكاية لأوصافهم التي اختصوا بها .
وإذ قد أجريت عليهم تلك الصفات في مقام الثناء والوعد بجزاء الجنة علم أن من اتصف بتلك الصفات موعود بمثل ذلك الجزاء وقد شرفهم الله بأن جعل عنوانهم عباده واختار لهم من الإضافة إلى اسمه اسم الرحمان لوقوع ذكرهم بعد ذكر الفريق الذين قيل لهم : اسجدوا للرحمن . قالوا : وما الرحمان . فإذا جعل المراد من ( عباد الرحمان ) أصحاب النبي A كان الخبر في قوله ( الذين يمشون على الأرض هونا ) إلى آخر المعطوفات وكان قوله الآتي ( أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ) استئنافا لبيان كونهم أحرياء بما بعد اسم الإشارة .
وإذا كان المراد من ( عباد الرحمن ) جميع المؤمنين المتصفين بمضمون تلك الصلات كانت تلك الموصولات وصلاتها نعوتا ل ( عباد الرحمن ) وكان الخبر اسم الإشارة في قوله ( أولئك يجزون الغرفة ) الخ .
وفي الإطناب بصفاتهم الطيبة تعريض بأن الذين أبوا السجود للرحمن وزادهم نفورا هم على الضد من تلك المحامد تعريضا تشعر به إضافة ( عباد ) إلى ( الرحمن ) .
واعلم أن هذه الصلات التي أجريت على ( عباد الرحمان ) جاءت على أربعة أقسام : قسم هو من التحلي بالكمالات الدينية وهي التي ابتدئ بها من قوله تعالى ( الذين يمشون على الأرض هونا ) إلى قوله ( سلاما ) .
وقسم هو من التخلي عن ضلالات أهل الشرك وهو الذي من قوله ( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ) .
وقسم هو من الاستقامة على شرائع الإسلام وهو قوله ( والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما ) وقوله ( والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ) الآية وقوله ( ولا يقتلون النفس ) إلى قوله ( لا يشهدون الزور ) الخ .
A E