يخبرك ذو عرضهم عني وعالمهم ... وليس جاهل شيء مثل من علما A E والباء في ( به ) بمعنى ( عن ) أي فأسأل عنه كقول علقمة : .
فإن تسألوني بالنساء فإنني ... خبير بأدواء النساء طبيب ويجوز أن تكون الباء متعلقة ب ( خبيرا ) وتقديم المجرور للرعي على الفاصلة وللاهتمام فله سببان .
( وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا ( 60 ) ) .
لما جرى وصف الله تعالى بالرحمن مع صفات أخر استطرد ذكر كفر المشركين بهذا الوصف . وقد علمت عند الكلام على البسملة في أول هذا التفسير أن وصف الله تعالى باسم ( الرحمان ) هو من وضع القرآن ولم يكن معهودا للعرب وأما قول شاعر اليمامة في مدح مسيلمة : .
سموت بالمجد يابن الأكرمين أبا ... وأنت غيث الورى لا زلت رحمانا فذلك بعد ظهور الإسلام في مدة الردة ولذلك لما سمعوه من القرآن أنكروه قصدا بالتورك على النبي A وليس ذلك عن جهل بمدلول هذا الوصف ولا بكونه جاريا على مقاييس لغتهم ولا أنه إذا وصف الله به فهو رب واحد وأن التعدد في الأسماء ؛ فكانوا يقولون : انظروا إلى هذا الصابئ ينهانا أن ندعو إلهين وهو يدعو الله ويدعو الرحمان . وفي ذلك نزل قوله تعالى ( قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمان أيا ما تدعو فله الأسماء الحسنى ) . وقد تقدم في آخر سورة الإسراء . وهذه الآية تشير إلى آية سورة الإسراء .
والخبر هنا مستعمل كناية في التعجيب من عنادهم وبهتانهم وليس المقصود إفادة الإخبار عنهم بذلك لأنه أمر معلوم من شأنهم .
والسجود الذي أمروا به سجود الاعتراف له بالوحدانية وهو شعار الإسلام ولم يكن السجود من عبادتهم وإنما كانوا يطوفون بالأصنام وأما سجود الصلاة التي هي من قواعد الإسلام فليس مرادا هنا إذ لم يكونوا ممن يؤمر بالصلاة ولا فائدة في تكليفهم بها قبل أن يسلموا . ويدل لذلك حديث معاذ بن جبل حين أرسله النبي A إلى اليمن فأمره أن يدعوهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ثم قال : فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة الخ . ومسألة تكليف الكفار بفروع الشريعة لا طائل تحتها .
وواو العطف في قولهم ( وما الرحمان ) لعطفهم الكلام الذي صدر منهم على الكلام الذي وجه إليهم في أمرهم بالسجود للرحمن على طريقة دخول العطف بين كلامي متكلمين كما في قوله تعالى ( قال إني جاعلك إماما قال ومن ذريتي ) . و ( ما ) من قوله ( وما الرحمان ) استفهامية .
والاستفهام مستعمل في الاستغراب يعنون تجاهل هذا الاسم ولذلك استفهموا عنه بما دون ( من ) باعتبار السؤال عن معنى هذا الاسم .
والاستفهام في ( أنسجد لما تأمرنا ) إنكار وامتناع أي لا نسجد لشيء تأمرنا بالسجود له على أن ( ما ) نكرة موصوفة أو لا نسجد للذي تأمرنا بالسجود له إن كانت ( ما ) موصولة . وحذف العائد من الصفة أو الصلة مع ما أتصل هو به لدلالة ما سبق عليه ومقصدهم من ذلك إباء السجود لله لأن السجود الذي أمروا به سجود لله بنية انفراد الله دون غيره وهم لا يجيبون إلى ذلك كما قال الله تعالى ( وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون ) أي فيأبون وقال : ( وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون ) . ويدل على ذلك قوله ( وزادهم نفورا ) فالنفور من السجود سابق قبل سماع اسم الرحمن .
وقرأ الجمهور ( تأمرنا ) بتاء الخطاب . وقرأه حمزة والكسائي بياء الغيبة على أن قولهم ذلك يقولونه بينهم ولا يشافهون به النبي A .
والضمير المستتر في ( زادهم ) عائد إلى القول المأخوذ من ( وإذا قيل لهم ) . والنفور : الفرار من الشيء . وأطلق هنا على لازمه وهو البعد . وإسناد زيادة النفور إلى القول لأنه سبب تلك الزيادة فهم كانوا أصحاب نفور من سجود لله فلما أمروا بالسجود للرحمان زادوا بعدا من الإيمان وهذا كقوله في سورة نوح ( فلم يزدهم دعائي إلا فرارا )