وفرع على ما تضمنته جملة ( قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا ) تحذير من مخالفة ما نهى الله عنه بقوله ( لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم ) الآية بعد التنبيه على أنه تعالى مطلع على تسللهم .
والمخالفة : المغايرة في الطريق التي يمشي فيها بأن يمشي الواحد في طريق غير الطريق الذي مشى فيه الآخر ففعلها متعد . وقد حذف مفعوله هنا لظهور أن المراد الذين يخالفون الله وتعدية فعل المخالف بحرف ( عن ) لأنه ضمن معنى الصدود كما عدي ب ( إلى ) في قوله تعالى ( وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه ) لما ضمن معنى الذهاب . يقال : خالفه إلى الماء إذا ذهب إليه دونه ولو تركت تعديته بحرف جر لإفادة أصل المخالفة في الغرض المسوق له الكلام .
وضمير ( عن أمره ) عائد إلى الله تعالى . والأمر هو ما تضمنه قوله ( لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا ) فإن النهي عن الشيء يستلزم الأمر بضده فكأنه قال : اجعلوا لدعاء الرسول الامتثال في العلانية والسر . وهذا كقول ابن أبي ربيعة : .
فقلن لها سرا فديناك لا يرح ... صحيحا وإن لم تقتليه فألمم فجعل قولهن ( لا يرح ) صحيحا وهو نهي في معنى : اقتليه فبنى عليه قوله ( وإن لم تقتليه فألمم ) .
والحذر : تجنب الشيء المخيف . والفتنة : اضطراب حال الناس وقد تقدمت عند قوله تعالى ( والفتنة أشد من القتل ) في البقرة . والعذاب الأليم هنا عذاب الدنيا وهو عذاب القتل .
( ألا إن لله ما في السماوات والأرض قد يعلم ما أنتم عليه ويوم يرجعون إليه فينبئهم بما عملوا والله بكل شيء عليم [ 64 ] ) تذييل لما تقدم في هذه السورة كلها . وافتتاحه بحرف التنبيه إيذان بانتهاء الكلام وتنبيه للناس ليعوا ما يرد بعد حرف التنبيه وهو أن الله مالك ما في السماوات والأرض فهو يجازي عباده بما يستحقون وهو عالم بما يفعلون .
ومعنى ( ما أنتم عليه ) الأحوال الملابسين لها من خير وشر فحرف الاستعلاء مستعار للتمكن .
وذكرهم بالمعاد إذ كان المشركون والمنافقون منكرينه .
وقوله ( فينبئهم بما عملوا ) كناية عن الجزاء لأن إعلامهم بأعمالهم لو لم يكن كناية عن الجزاء لما كانت له جدوى .
وقوله ( والله بكل شيء عليم ) تذييل لجملة ( قد يعلم ما أنتم عليه ) لأنه أعم منه .
وفي هذه الآية لطيفة الاطلاع على أحوالهم لأنهم كانوا يسترون نفاقهم .
بسم الله الرحمن الرحيم .
سورة الفرقان .
سميت هذه السورة " سورة الفرقان " في عهد النبي A وبمسمع منه . ففي صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب أنه قال : " سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله فكدت أساوره في الصلاة فتصبرت حتى سلم فلبيته بردائه فانطلقت به أقوده إلى رسول الله فقلت : إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها . . " الحديث .
ولا يعرف لهذه السورة اسم غير هذا . والمؤدبون من أهل تونس يسمونها ( تبارك الفرقان ) كما يسمون ( سورة الملك ) تبارك وتبارك الملك .
ووجه تسميتها ( سورة الفرقان ) لوقوع لفظ الفرقان فيها . ثلاث مرات في أولها ووسطها وآخرها .
وهي مكية عند الجمهور . وروي عن ابن عباس أنه استثنى منها ثلاث آيات نزلت بالمدينة وهي قوله تعالى ( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ) إلى قوله ( وكان الله غفورا رحيما ) . والصحيح عنه أن هذه الآيات الثلاث مكية كما في صحيح البخاري في تفسير الفرقان : ( عن القاسم بن أبي بزة أنه سأل سعيد بن جيبر : هل لمن قتل مؤمنا متعمدا من توبة ؟ فقرأت عليه ( ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ) . فقال سعيد : قرأتها على ابن عباس كما قرأتها علي ؟ فقال : هذه مكية نسختها آية مدنية التي في سورة النساء . يريد قوله تعالى ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا ) الآية ) . وعن الضحاك : أنها مدنية إلا الآيات الثلاث من أولها إلى قوله ( ولا نشورا ) .
وأسلوب السورة وأغراضها شاهدة بأنها مكية .
وهي السورة الثانية والأربعون في ترتيب النزول نزلت بعد سورة يس وقبل سورة فاطر وعدد آياتها سبع وسبعون باتفاق أهل العدد .
أغراض هذه السورة