لما كان الاجتماع للرسول في الأمور يقع بعد دعوته الناس للاجتماع وقد أمرهم الله أن لا ينصرفوا عن مجامع الرسول صلى الله عليه وسلم إلا لعذر بعد إذنه أنبأهم بهذه الآية وجوب استجابة دعوة الرسول إذا دعاهم . وقد تقدم قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم ) في سورة الأنفال . والمعنى : لا تجعلوا دعوة الرسول إياكم للحضور لديه مخيرين في استجابتها كما تتخيرون في استجابة دعوة بعضكم بعضا فوجه الشبه المنفي بين الدعوتين هو الخيار في الإجابة . والغرض من هذه الجملة أن أن الواجب هو الثبات في مجامع الرسول إذا حضروها وانهم في حضورها إذا دعوا إليها بالخيار فالدعاء على هذا التأويل مصدر دعاه إذا ناداه أو أرسل إليه ليحضر .
وإضافة ( دعاء ) إلى ( الرسول ) من إضافة المصدر إلى فاعله . ويجوز أن تكون إضافة ( دعاء ) من إضافة المصدر إلى مفعوله الفاعل المقدر ضمير المخاطبين . والتقدير : لا تجعلوا دعاءكم الرسول فالمعنى نهيهم .
ووقع الالتفات من الغيبة إلى خطاب المسلمين حثا على تلقي الجملة بنشاط فهم فالخطاب للمؤمنين الذي تحدث عنهم بقوله ( إنما المؤمنون الذي آمنوا بالله ورسوله ) وقوله ( إن الذين يستأذنوك ) الخ . نهوا عن أن يدعوا الرسول عند مناداته كما يدعو بعضهم بعضا في اللفظ أو في الهيئة . فأما في اللفظ فبأن لا يقولوا : يامحمد أو يا بن عبد الله أو يابن عبد المطلب ولكن يا رسول الله أو يا نبي الله أو بكنية يا أبا القاسم . وأما في الهيئة فبأن لا يدعوه من وراء الحجرات وأن لا يلحوا في دعائه إذا لم يخرج إليهم كما جاء في سورة الحجرات لأن ذلك كله من الجلافة التي لا تليق بعظمة قدر الرسول صلى الله عليه وسلم . فهذا أدب للمسلمين وسد لأبواب الأذى عن المنافقين . وإذا كانت الآية تحتمل ألفاظها هذا المعنى صح للمتدبر أن ينتزع هذا المعنى منها إذ يكفي أن يأخذ من لاح له معنى ما لاح له .
و ( بينكم ) ظرف إما لغو متعلق ب ( تجعلوا ) أو مستقر صفة ل ( دعاء ) أي دعاءه في كلامكم . وفائدة ذكره على كلا الوجهين التعريض بالمنافقين الذين تمالؤوا بينهم على التخلف عن رسول الله إذا دعاهم كلما وجدوا لذلك سبيلا كما أشار إليه قوله تعالى ( ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ) . فالمعنى : لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كما جعل المنافقون بينهم وتواطأوا على ذلك .
وهذه الجملة معترضة بين جملة ( إنما المؤمنون الذي آمنوا بالله ورسوله ) وما تبعها وبين جملة ( قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا ) .
وجملة ( قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا ) استئناف تهديد للذين كانوا سبب نزول آية ( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ) الآية أي أولئك المؤمنون وضدهم المعرض بهم ليسوا بمؤمنين . وقد علمهم الله وأطلع على تسللهم .
( وقد ) لتحقيق الخبر لأنهم يظنون أنهم إذا تسللوا متسترين لم يطلع عليهم النبي فأعلمهم الله أنه علمهم أي أنه أعلم رسوله بذلك .
و ( قد ) لتحقيق الخبر لأنهم يظنون أنهم إذا تسللوا متسترين لم يطلع عليهم النبي فأعلمهم الله أنه علمهم أي أنه أعلم رسوله بذلك .
ودخول ( قد ) على المضارع يأتي للتكثير كثيرا لأن ( قد ) فيه بمنزلة ( رب ) تستعمل في التكثير ومنه قوله تعالى ( قد يعلم الله المعوقين منكم ) وقول زهير : .
أخو ثقة لا تهلك الخمر ماله ... ولكنه قد يهلك المال نائله و ( الذين يتسللون ) هم المنافقون . والتسلل : الانسلال من صبرة أي الخروج منه بخفية خروجا كأنه سل شيء من شيء . يقال : تسلل أي تكلف الانسلال مثل ما يقال : تدخل إذا تكلف إدخال نفسه .
واللوذ : مصدر لاوذه إذا لاذ به الآخر . شبه تستر بعضهم ببعض عن اتفاق وتآمر عند الانصراف خفية بلوذ بعضهم ببعض لأن الذي ستر الخارج حتى يخرج هو بمنزلة من لاذ به أيضا فجعل حصول فعله مع فعل اللائذ كأنه مفاعلة من اللوذ .
وانتصب ( لواذا ) على الحال لأنه في تأويل اسم الفاعل .
و ( منكم ) متعلق ب ( يتسللون ) . وضمير ( منكم ) خطاب للمؤمنين أي قد علم الله الذين يخرجون من جماعتكم متسللين ملاوذين .
A E