A E و ( سامرا ) حال ثانية من ضمير المخاطبين أي حال كونكم سامرين . والسامر : اسم لجمع السامرين أي المتحدثين في سمر الليل وهو ظلمته أو ضوء قمره . وأطلق السمر على الكلام في الليل فالسامر كالحاج والحاضر والجامل بمعنى الحجاج والحاضرين وجماعة الجمال . وعندي أنه يجوز أن يكون ( سامرا ) مرادا منه مجلس السمر حيث يجتمعون للحديث ليلا ويكون نصبه على نزع الخافض أي في سامركم كما قال تعالى ( وتأتون في ناديكم المنكر ) .
و ( تهجرون ) بضم التاء وسكون الهاء وكسر الجيم في قراءة نافع مضارع أهجر : إذ قال الهجر بضم الهاء وسكون الجيم وهو اللغو والسب والكلام السيء . وقرأ بقية العشرة بفتح التاء من هجر إذا لغا . والجملة في موضع الصفة ل ( سامرا ) أي في حال كونكم متحدثين هجرا وكان كبراء قريش يسمرون حول الكعبة يتحدثون بالطعن في الدين وتكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم .
( أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين [ 68 ] أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون [ 69 ] أم يقولون به جنة بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون [ 70 ] ) الفاء لتفريع الكلام على الكلام السابق وهو قوله ( بل قلوبهم في غمرة من هذا ) إلى قوله ( سامرا تهجرون ) . وهذا التفريع معترض بين جملة ( بل قلوبهم في غمرة من هذا ) وجملة ( ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون ) .
والمفرع استفهامات عن سبب إعراضهم واستمرار قلوبهم في غمرة إلى أن يحل بهم العذاب الموعودونه .
وهذه الاستفهامات مستعملة في التخطئة على طريق المجاز المرسل لأن اتضاح الخطأ يستلزم الشك في صدوره عن العقلاء فيقتضي ذلك الشك السؤال عن وقوعه من العقلاء .
ومآل معاني هذه الاستفهامات أنها إحصاء لمثار ضلالهم وخطئهم لذلك خصت بذكر أمور من هذا القبيل . وكذلك احتجاج عليهم وقطع لمعذرتهم وإيقاظ لهم بأن صفات الرسول كلها دالة على صدقه .
فالاستفهام الأول عن عدم تدبرهم فيما يتلى عليهم من القرآن وهو المقصود بالقول أي الكلام قال تعالى ( أفلا يتدبرون القرآن ) . والتدبر : إعمال النظر العقلي في دلالات الدلائل على ما نصت له . وأصله أنه من النظر في دبر الأمر أي فيما منه للمتأمل بادئ ذي بدء . وقد تقدم عند قوله تعالى ( أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ) في سورة النساء .
والمعنى : أنهم لو تدبروا قول القرآن لعلموا أنه الحق بدلالة إعجازه وبصحة أغراضه فما كان استمرار عنادهم إلا لأنهم لم يدبروا القول . وهذا أحد العلل التي غمرت بهم في الكفر .
والاستفهام الثاني هو المقدر بعد ( أم ) وقوله ( أم لم يعرفوا رسولهم ) . ف ( أم ) حرف إضراب انتقالي من استفهام إلى غيره وهي ( أم ) المنقطعة بمعنى ( بل ) ويلزمها تقدير استفهام بعدها لا محالة فقوله ( جاءهم ما لم يأت آباءهم ) تقديره : بل أجاءهم . والمجيء مجاز في الإخبار والتبليغ وكذلك الإتيان .
و ( ما ) الموصولة صادقة على دين . والمعنى : أجاءهم دين لم يأت آباءهم الأولين وهو الدين الداعي إلى توحيد الإله وإثبات البعث ولذلك كانوا يقولون ( إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثرهم مهتدون ) . ولهذا قال الله تعالى ( وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون قل أو لو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون ) .
ثم إنه إن كان المراد ظاهر معنى الصلة وهي ( ما لم يأت آباءهم الأولين ) من أن الدين الذي جاءهم لا عهد لهم به تعين أن يكون في الكلام تهكم بهم إذ قد أنكروا دينا جاءهم ولم يسبق مجيئه لآباءهم . ووجه التهكم أن شأن كل رسول جاء بدين أن يكون دينه أنفا ولو كان للقوم مثله لكان مجيئه تحصيل حاصل .
وإن كان المراد من الصلة أنه مخالف لما كان عليه آباؤهم لأن ذلك من معنى : لم يأت آباءهم كان الكلام مجرد تغليط أي لا اتجاه لكفرهم به لأنه مخالف لما كان عليه آباؤهم إذ لا يكون الدين إلا مخالفا للضلالة ويكون في معنى قوله تعالى ( أم آتيناهم كتابا من قبله فهم به مستمسكون بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون ) .
A E