وروى الترمذي عن ابن لهيعة عن مشرح عن عقبة بن عامر قال : " قلت : يا رسول الله فضلت سورة الحج لأن فيها سجدتين ؟ قال : نعم ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما " اه . قال أبو عيسى : هذا حديث إسناده ليس بالقوي اه أي من أجل أن ابن لهيعة ضعفه يحيى بن معين . وقال مسلم : تركه وكيع والقطان وابن مهدي . وقال أحمد : احترقت كتبه فمن روى عنه قديما " أي قبل احتراق كتبه " قبل .
( وجاهدوا في الله حق جهاده ) A E الجهاد بصيغة المفاعلة حقيقة عرفية في قتال أعداء المسلمين في الدين لأجل إعلاء كلمة الإسلام أو للدفع عنه كما فسره النبي A " من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله " . وأن ما روي عن النبي A أنه حين قفل من غزوة تبوك قال لأصحابه " رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر ) وفسره لهم بمجاهدة العبد هواه فذلك محمول على المشاكلة بإطلاق الجهاد على منع داعي النفس إلى المعصية .
ومعنى ( في ) التعليل أي لأجل الله أي لأجل نصر دينه كقول النبي A : " دخلت امرأة النار في هرة " أي لأجل هرة أي لعمل يتعلق بهرة كما بينة بقوله حبستها لا هي أطعمتها ولا هي أرسلتها ترمم من خشاش الأرض حتى ماتت هزلا " .
وانتصب " حق جهاده " على المفعول المطلق المبين للنوع وأضيفت الصفة إلى الموصوف وأصله : جهاده الحق وإضافة جهاد إلى ضمير الجلالة لأدنى ملابسة أي حق الجهاد لأجله وقرينة المراد تقدم حرف " في " كقوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ) .
والحق بمعنى الخالص أي الجهاد الذي لا يشوبه تقصير .
والآية أمر بالجهاد . ولعلها أول آية جاءت في الأمر بالجهاد لأن السورة بعضها مكي وبعضها مدني ولأنه تقدم آنفا قوله ( ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله ) . فهذا الآن أمر بالأخذ في وسائل النصر فالآية نزلت قبل وقعة بدر لا محالة .
( هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس ) جملة ( هو اجتباكم ) إن حملت على أنها واقعة موقع العلة لما أمروا به ابتداء من قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا ) الخ أي لأنه لما اجتباكم كان حقيقا بالشكر له بتلك الخصال المأمور بها .
والاجتباء : الاصطفاء والاختبار أي هو اختاركم لتلقي دينه ونشره ونصره على معانديه . فيظهر أن هذا موجه لأصحاب رسول الله A أصالة ويشركهم فيه كل من جاء بعدهم بحكم اتحاد الوصف في الأجيال كما هو الشان في مخاطبات التشريع .
وإن حمل قوله ( هو اجتباكم ) على معنى التفضيل على الأمم كان ملحوظا فيه تفضيل مجموع الأمة على مجموع الأمم السابقة الراجع إلى تفضيل كل طبقة من هذه الأمة على الطبقة المماثلة لها من الأمم السالفة .
وقد تقدم مثل هذين المحملين في قوله تعالى ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) .
وأعقب ذلك بتفضيل هذا الدين المستتبع تفضيل أهله بأن جعله دينا لا حرج فيه لأن ذلك يسهل العمل به مع حصول مقصد الشريعة من العمل فيسعد أهله بسهولة امتثاله . وقد امتن الله تعالى بهذا المعنى في آيات كثيرة من القرآن منها قوله تعالى ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) . ووصفه الدين بالحنيف وقال النبي A : " بعثت بالحنيفية السمحة " .
والحرج : الضيق أطلق على عسر الأفعال تشبيها للمعقول بالمحسوس ثم شاع ذلك حتى صار حقيقة عرفية كما هنا .
والملة : الدين والشريعة . وقد تقدم عند قوله تعالى ( ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا ) في سورة النحل . وقوله ( واتبعت ملة آبائي ) في سورة يوسف