والذباب : اسم جمع ذبابة وهي حشرة طائرة معروفة وتجمع على ذبان " بكسر الذال وتشدد النون " ولا يقال في العربية للواحدة ذبابة .
وذكر الذباب لأنه من أحقر المخلوقات التي فيها الحياة المشاهدة . وأما ما في الحديث في المصورين قال الله تعالى ( فليخلقوا حبة وليخلقوا ذرة ) فهو في سياق التعجيز لأن الحبة لا حياة فيها والذرة فيها حياة ضعيفة .
A E وموقع ( لو اجتمعوا له ) موقع الحال والواو واو الحال و ( لو ) فيه وصيلة . وقد تقدم بيان حقيقتها عند قوله ( فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به ) في سورة آل عمران أي لن يستطيعوا ذلك الخلق وهم مفترقون بل ولو اجتمعوا من مفترق القبائل وتعاونوا على خلق الذباب لن يخلقوه .
والاستنقاذ : مبالغة في الإنقاذ مثل الاستحياء والاستجابة .
وجملة ( ضعف الطالب والمطلوب ) تذييل وفذلكة للغرض من التمثيل أي ضعف الداعي والمدعو إشارة إلى قوله ( إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ) الخ . أي ضعفتم أنتم في دعوتهم آلهة وضعفت الأصنام عن صفات الإله .
وهذه الجملة كلام أرسل مثلا وذلك من بلاغة الكلام .
( ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز [ 74 ] ) تذييل للمثل بان عبادتهم الأصنام مع الله استخفاف بحق إلهيته تعالى إذ أشركوا معه في أعظم الأوصاف أحقر الموصوفين وإذ استكبروا عند تلاوة آياته تعالى عليهم وإذ هموا بالبطش برسوله .
والقدر : العظمة : وفعل قدر يفيد أنه عامل بقدره . فالمعنى : ما عظموه حق تعظيمه إذ أشركوا معه الضعفاء العجز وهو الغالب القوي . وقد تقدم تفسيره في قوله ( وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء ) في سورة الأنعام .
وجملة ( إن الله لقوي عزيز ) تعليل لمضمون الجملة قبلها فإن ما أشركوهم مع الله في العبادة كل ضعيف ذليل فما قدروه حق قدره لأنه قوي عزيز فكيف يشاركه الضعيف الذليل . والعدول عن أن يقال : ما قدرتم الله حق قدره . إلى أسلوب الغيبة التفات تعريضا بهم بأنهم ليسوا أهلا للمخاطبة توبيخا لهم وبذلك يندمج في قوله ( إن الله لقوي عزيز ) تهديد لهم بأنه ينتقم منهم على وقاحتهم .
وتوكيد الجملة بحرف التوكيد ولام الابتداء مع أن مضمونها مما لا يختلف فيه التنزيل علمهم بذلك منزلة الإنكار لأنهم لم يجروا على موجب العلم حين أشركوا مع القوي العزيز ضعفاء أذلة .
والقوي : من أسمائه تعالى . وهو مستعمل في القدرة على كل مراد له . والعزيز : من أسمائه وهو بمعنى : الغالب لكل معاند .
( الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس إن الله سميع بصير [ 75 ] ) لما نفت الآيات السابقة أن يكون للأصنام التي يعبدها المشركون مزية في نصرهم بقوله ( وما للظالمين من نصير ) وقوله ( ضعف الطالب والمطلوب ) ونعى على المشركين تكذيبهم الرسول A بقوله ( يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا ) وقد كان من دواعي التكذيب أنهم أحالوا أن يأتيهم رسول من البشر ( وقالوا لولا أنزل عليه ملك ) أي يصاحبه ( وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا ) أعقب إبطال أقوالهم بأن الله يصطفي من شاء اصطفاه من الملائكة ومن الناس دون الحجارة وأنه يصطفيهم ليرسلهم إلى الناس أي لا ليكونوا شركاء . فلا جرم أبطل قوله ( الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس ) جميع مزاعمهم في أصنامهم .
فالجملة استئناف ابتدائي . والمناسبة ما علمت .
وتقديم المسند إليه وهو اسم الجلالة على الخبر الفعلي في قوله ( الله يصطفي ) دون أن يقول : يصطفي لإفادة الاختصاص أي الله وحده هو الذي يصطفي لا أنتم تصطفون وتنسبون إليه .
والإظهار في مقام الإضمار هنا حيث لم يقل : هو يصطفي من الملائكة رسلا لأن اسم الجلالة أصله الإله أي الإله المعروف الذي لا إله غيره فاشتقاقه مشير إلى أن مسماه جامع كل الصفات العلى تقريرا للقوة الكاملة والعزة القاهرة