وقوله ( وادع إلى ربك ) عطف على جملة ( فلا ينازعنك في الأمر ) . عطف على انتهاء المنازعة في الدين أمر بالدوام على الدعوة وعدم الاكتفاء بظهور الحجة لأن المكابرة تجافي الاقتناع ولأن في الدوام على الدعوة فوائد للناس أجمعين . وفي حذف مفعول ( ادع ) إيذان بالتعميم .
وجملة ( إنك لعلى هدى مستقيم ) تعليل للدوام على الدعوة وأنها قائمة مقام فاء التعليل لا لرد الشك . و ( على ) مستعارة للتمكن من الهدى .
ووصف الهدى بالمستقيم استعارة مكنية شبه الهدى بالطريق الموصل إلى المطلوب ورمز إليه بالمستقيم لأن المستقيم أسرع إيصالا فدين الإسلام أيسر الشرائع في الإيصال إلى الكمال النفساني الذي هو غاية الأديان . وفي هذا الخبر تثبيت للنبي A وتجديد لنشاطه في الاضطلاع بأعباء الدعوة .
( وإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون [ 68 ] الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون [ 69 ] ) عطف على جملة ( فلا ينازعنك في الأمر ) . والمعنى : إن تبين عدم اقتناعهم بالأدلة التي تقطع المنازعة وأبوا إلا دوام المجادلة تشغيبا واستهزاء فقل : الله أعلم بما تعملون .
وفي قوله ( الله أعلم بما تعلمون ) تفويض أمرهم إلى الله تعالى وهو كناية عن قطع المجادلة معهم وإدماج بتعريض بالوعيد والإنذار بكلام موجه صالح لما يتظاهرون به من تطلب الحجة . ولما في نفوسهم من إبطال العناد كقوله تعالى ( فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون .
والمراد ب ( ما يعملون ) ما يعملونه من أنواع المعارضة والمجادلة بالباطل لدحضوا به الحق وغير ذلك .
وجملة ( الله يحكم بينكم يوم القيامة ) كلام مستأنف ليس من المقول . فهو خطاب للنبي A . وليس خطابا للمشركين بقرينة قوله ( بينكم ) . والمقصود تأييد الرسول والمؤمنين .
وما كانوا فيه يختلفون : هو ما عبر عنه بالأمر في قوله ( فلا ينازعنك في الأمر ) .
( ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير [ 70 ] ) استئناف لزيادة تحقيق التأييد الذي تضمنه قوله ( الله يحكم بينكم يوم القيامة ) . أي فهو لا يفوته شيء من أعمالكم فيجازي كلا على حساب عمله . فالكلام كناية عن جزاء كل بما يليق به .
و ( ما في السماء والأرض ) يشمل ما يعمله المشركون وما كانوا يخالفون فيه .
والاستفهام إنكاري أو تقريري أي أنك تعلم ذلك . وهذا الكلام كناية عن التسلية أي فلا تضق صدرا مما تلاقيه منهم .
وجملة ( إن ذلك في كتاب ) بيان للجملة قبلها . أي يعلم ما في السماء والأرض علما مفصلا لا يختلف لأن شأن الكتاب أن لا تتطرق إليه الزيادة والنقصان .
واسم الإشارة إلى العمل في قوله ( الله أعلم بما تعملون ) أو إلى ( ما ) في قوله ( ما كنتم فيه تختلفون ) .
والكتاب هو ما به حفظ جميع الأعمال : إما على تشبيه تمام الحفظ بالكتابة وإما على الحقيقة وهو جائز أن يجعل الله لذلك كتابا لائقا بالمغيبات .
وجملة ( إن ذلك على الله يسير ) بيان لمضمون الاستفهام من الكتانة عن الجزاء .
واسم الإشارة عائد إلى مضمون الاستفهام من الكناية فتأويله بالمذكور . ولك أن تجعلها بيانا لجملة ( يعلم ما في السماء والأرض ) واسم الإشارة عائد إلى العلم المأخوذ من فعل ( يعلم ) أي أن علم الله بما في السماء والأرض لله حاصل دون اكتساب لأن علمه ذاتي لا يحتاج إلى مطالعة وبحث .
وتقديم المجرور على متعلقه وهو ( يسير ) للاهتمام بذكره للدلالة على إمكانة في جانب علم الله تعالى .
( ويعبدون من دون الله ما لم ينزل به سلطانا وما ليس لهم به علم وما للظالمين من نصير [ 71 ] ) يجوز أن يكون الواو حرف عطف وتكون الجملة معطوفة على الجملة السابقة بما تفرع عليها عطف غرض على غرض .
ويجوز أن يكون الواو للحال والجملة بعدها حالا من الضمير المرفوع في قوله ( جادلوك ) . والمعنى : جادلوك في الدين مستمرين على عبادة ما لا يستحق العبادة بعد ما رأوا من الدلائل . وتتضمن الحال تعجيبا من شأنهم في مكابرتهم وإصرارهم