وجملة ( ليدخلنهم مدخلا يرضونه ) بدل من جملة ( ليرزقنهم الله رزقا حسنا ) وهي بدل اشتمال لأن كرامة المنزل من جملة الإحسان في العطاء بل هي أبهج لدى أهل الهمم ولذلك وصف المدخل ب ( يرضونه ) .
ووقعت جملة ( وإن الله لهو خير الرازقين ) معترضة بين البدل والمبدل منه . وصريحها الثناء على الله وكنايتها التعريض بأن الرزق الذي يرزقهم الله هو خير الأرزاق لصدوره من خير الرازقين .
وأكدت الجملة بحرف التوكيد ولامه وضمير الفصل تصويرا لعظمة رزق الله تعالى . وجملة ( وإن الله لعليم حليم ) تذييل أي عليم بما تجشموه من المشاق في شان هجرتهم من ديارهم وأهلهم وأموالهم وهو حليم بهم فيما لاقوه فهو يجازيهم بما لقوه من أجله . وهذه الآية تبين مزية المهاجرين في الإسلام .
وقرأ نافع ( مدخلا ) " بفتح الميم " على أنهه اسم مكان من دخل المجرد لأن الإدخال يقتضي الدخول . وقرأ الباقون " بضم الميم " جريا على فعل ( ليدخلنهم ) المزيد وهو أيضا اسم مكان للإدخال .
( ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله إن الله لعفو غفور [ 60 ] ) اسم الإشارة للفصل بين الكلامين لفتا لأذهان السامعين إلى ما سيجيء من الكلام لأن ما بعده غير صالح لأن يكون خبرا عن اسم الإشارة . وقد تقدم نظيره عند قوله ( ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه ) .
وجملة ( ومن عاقب ) الخ معطوفة على جملة ( والذين هاجروا في سبيل الله ) الآية .
والغرض منها التهيئة للجهاد والوعد بالنصر الذي أشير إليه سابقا بقوله تعالى ( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير ) إلى قوله ( ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز ) فأنه قد جاء معترضا في خلال النعي على تكذيب المكذبين وكفر هو النعم فأكمل الغرض الأول بما فيه من انتقالات ثم عطف الكلام إلى الغرض الذي جرت منه لمحة فعاد الكلام هنا إلى الوعد بنصر الله القوم المعتدي عليهم كما وعدهم بأن يدخلهم في الآخرة مدخلا يرضونه .
وجيء بإشارة الفصل للتنبيه على أهمية ما بعده .
وما صدق ( من ) الموصولة العموم لقوله فيما سلف ( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا ) فنبه على أن القتال المأذون فيه هو قتال جزاء على اعتداء سابق كما دل عليه أيضا قوله ( بأنهم ظلموا ) وتغيير أسلوب الجمع الذي في قوله ( أذن للذين يقاتلون ) إلى أسلوب الإفراد في قوله ( ومن عاقب ) للإشارة إلى إرادة العموم مكن هذا الكلام ليكون بمنزلة القاعدة الكلية لسنة من سنن الله تعالى في الأمم .
ولما أتى في الصلة هنا بفعل ( عاقب ) مع قصد شمول عموم الصلة للذين أذن لهم بأنهم ظلموا علم السامع أن القتال المأذون لهم به قتال جزاء على ظلم سابق .
وفي ذلك تحديد لقانون العقاب أن يكون مماثلا للعدوان المجزي عليه اي أن لا يكون أشد منه .
وسمي اعتداء المشركين على المؤمنين عقابا في قوله تعالى ( بمثل ما عوقب به ) لأن الذي دفع المعتدين إلى الاعتداء قصد العقاب على خروجهم عن دين الشرك ونبذ عبادة أصنامهم . ويعلم أن ذلك العقاب ظلم بقوله فيما مضى ( الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ) .
ومعنى ( بمثل ما عوقب به ) المماثلة في الجنس فإن المشركين آذوا المسلمين وأرغموهم على مغادرة موطنهم فيكون عقابهم على ذلك بإخراج من يمكنهم أن يخرجوه من ذلك الوطن ولا يستطيعون ذلك إلا بالجهاد لأن المشركين كانوا أهل كثرة وكانوا مستعصمين ببلدهم فإلجاء من يمكن إلجاؤه إلى مفارقة وطنه إما بالقتال فهو إخراج كامل أو بالأسر : و ( ثم ) من قوله ( ثم بغي عليه ) عطف على جملة ( ومن عاقب بمثل ما عوقب به ) ف ( ثم ) للتراخي الرتبي فإن البغي عليه أهم من كونه عاقب بمثل ما عوقب به إذ كان مبدوءا بالظلم كما يقال " البادئ أظلم " . فكان المشركون محقوقين بأن يعاقبوا لنهم بغوا على المسلمين . ومعنى الآية في معنى قوله ( ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدأوكم أول مرة